• DOLAR 34.944
  • EURO 36.745
  • ALTIN 2979.98
  • ...
د.عصام البشير: أكبر مشكلة في العالم الإسلامي والإنسانية هي التصنيف والتهميش
Google News'te Doğruhaber'e abone olun. 

انطلقت الندوة العلمية الدولية "تعزيز القواسم الإنسانية المشتركة ومخاطر التصنيف والإقصاء" في مقر وقف إسطنبول للعلوم والثقافة في منطقة الفاتح، والتي نُظمت بالتعاون مع مؤسسة إسطنبول للعلوم والثقافة واتحاد الجامعات الأفريقية الآسيوية، وقد حضرها باحثون وأكاديميون من تركيا وتونس وقطر وعمان والعراق والسودان وروسيا والصومال وجزر المالديف وأستراليا.

"العالم الإسلامي والإنسانية بأمسّ الحاجة إلى القيم الإنسانية في هذا الوقت"

وقد ألقى رئيس الشؤون الدينية الأسبق في السودان "د.عصام بشير" كلمة قال فيها:

 "إن عالمنا الإسلامي وعالمنا الإنساني يعيش كلاهما مأزق التصنيف ومخاطر الإقصاء، ونحن نتحرك بين مساحتين، مساحة أمة الإجابة وهم معشر أهل الإسلام، ومساحة أمة الدعوة وهم معشر الإنسانية على اختلاف عقائدها وأجناسها ولغاتها، ففي إطار أمة الإجابة نعاني طغيان دعاوى التكفير والتضليل والتفسيق والتبديع والتجهيل على الصعيد العقدي والفقهي، كما نعاني كذلك على صعيد تجزئة المجزأ وتقسيم المقسّم وتفتيت المفتت في أوطاننا، إما على أساس عرقي أو مذهبي أو طائفي أو ديني، وعلى المستوى العالمي نعيش أيضاً طغيان هذا التصنيف والإقصاء على المستوى العقدي والسياسي في ظلّ اختلال المعايير واضطراب الموازين، وحتى على مستوى المنظومة الدولية التي جاءت في الأصل لترسيخ قيم العدل والسلام والأمن الدوليين، ولكن وقع الاضطراب خاصة إزاء قضايا عالمنا الاسلامي، فالحاجة إلى تعزيز القواسم المشتركة على المستوى الإسلامي والإنساني غدت حاجة ملحة بل هي من فرائض الوقت وواجبات الساعة".

وقد لخص "د.عصام بشير" ما يجب فعله لفقه التعايش والشراكة الإنسانية، في سبع مرتكزات وهي:

1- الإيمان بوحدة الأصل الإنساني، فكل الناس ينتمون في باب العبودية لله رب العالمين والبنوة لآدم، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد".

2- الإيمان بأن الكرامة لمطلق بني البشر، قال تعالى: ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا))، فهذه كرامة بوصفه آدميًا، فهو مخلوق من قبضة طين ونفخة روح وأُمرت الملائكة بالسجود له، وعلمّه الله تعالى الأسماء التي هي مفاتيح العلوم واللغات، فالكرامة له بوصفه آدمياً.

3- إعمال الأخوة الإنسانية أولى من إهمالها، والله سبحانه وتعالى ذكر مستويين للأخوة، فهنالك الأخوة الإيمانية قال تعالى: ((إنما المؤمنون إخوة))، وهذه في أعلى المراتب وأرقاها وأزكاها، لكنّها لا تنافي ما سواها من أنواع الروابط التي تنشأ بين بني البشر، فهنالك إخوة الدم والرحم والنسب والمصاهرة والقبيلة، وهنالك الأخوة الإنسانية، والله تعالى ذكر في القرآن هذه الأصناف، كقوله تعالى: ((كذبت قوم نوح المرسلين، إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون))، فهؤلاء كذبوا نوحاً عليه السلام وجحدوا نبوته وكفروا برسالته، وقد أثبت القرآن عقد الأخوة.

وكما قال تعالى: ((إلى عاد أخاهم هوداً))، ((وإلى ثمود أخاهم صالحاً))، ((واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف))، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "وأشهد أن العباد كلهم إخوة"، فهذه إخوة إنسانية، وهذا الحديث وإن ضعفه بعض أهل العلم، فإن له طرقًا يتقوى بها يرتقي الى درجة الحسن، إذن إعمال الأخوة الإنسانية أولى من إهمالها، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه لمالك بن الأشتر حين ولاه ولاية مصر: "الناس صنفان إما أخ لك في الإسلام وإما نظير لك في الخلق" أي أخوك في الإنسانية.

4- الإيمان بأن الاختلاف بين بين بني البشر في العقائد وفي الأجناس وفي اللغات وفي الألوان واقع بمشيئة الله ولا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه، فقد قال الله تعالى: ((ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم))، فهذا الاختلاف لا يقف عند حد اللون أو الجنس أو العرق أو البشرة بل يتعداه إلى عالم الأفكار والعقائد، فلا بُدّ من أن نؤمن بأن التعددية الدينية كما التعددية الحضارية كما التعددية في الثقافات واقعة بمشيئة الله تعالى ولا راد لمشيئته ولا معقب لحكمه.

5-  إنّ ثمرة هذا الاختلاف الواقع بين بني البشر هو التعارف، قال الله تعالى: "لتعارفوا" وكلمة لتعارفوا تشمل ثلاثة معاني وهي: حصول التعارف بينكم النافي للجهالة، ثم تبادل المعارف والعلوم الناشئة عن هذا التعارف، ثم حصول المعروف بذلاً بينكم في العلائق.
إذن فثمرة هذا الاختلاف هو التعارف المفضي إلى التعايش والتعاون، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: ((وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان))، فهذه الآية يحسبها كثير من المسلمين أنها خاصة بالتعاون بين معشر أهل الإسلام، لكنّ سياق الآية يدل على أنه مطلق التعاون الذي ينشأ بين بني البشر بصرف النظر عن العقائد والأديان والثقافات، وقد قال الله تعالى: ((ولا يجرمنّكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى))، أي: لا يحملنّكم بغضكم لقوم صدوكم عن المسجد الحرام على العدوان وتعاونوا على البر والتقوى، أي: حيثما وُجد مشترك إنساني أو ديني أو حضاري يمثل قاسمًا بين كل هذه الأطراف فعلينا أن نشدَّ عليه الوَثاق، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حِلفاً ما أنّ لي به مثل حمر النّعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت"، فكان هذا الحلف قد أنشأه الزبير بن عبد المطلب وبعض أشراف مكة نصرة للمظلوم وردعاً للظالم، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: "لو دعيت به في الإسلام لأجبت"، وهذا يشير إلى أن ثمرة هذا الاختلاف التعارف المفضي إلى تحقيق التعاون والتعايش في كل ما هو مشترك إنساني وديني وحضاري.

6- إنّ السبيل لحل علاج المختلَف فيه ديناً وعقائد هو الحوار، وإن الحوار هو مسلك مدني حضاري سلمي، قال الله تعالى: ((ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن))، وقال تعالى: ((وجادلهم بالتي هي أحسن))، وكلمة التي هي أحسن صيغة تفضيل يعني إذا وُجدت طريقتان إحداهما حسنة والأخرى أحسن فنأخذ بالتي هي أحسن وأجود وأطلب وأتقن، وليس بالتي هي أخشن، فهذا هو الحوار، وهذا هو مسلك الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فقد قال الله تعالى: ((قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا))، وقال الله تعالى: ((فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط))، فالمنهج لإقناع الآخرين بصحة المعتقد يكون عبر أداة هذا المسلك المدني الحضاري السلمي وهو أداة الحوار.

7- إنّ  قانون العيش المشترك حددته آية البر ما داموا مسالمين لنحقق هذا العيش المشترك وهذا التعاون الخلّاق وهذه القواسم بين جميع بني الإنسان، فقد قال الله تعالى: ((أن تبّروهم وتقسطوا اليهم))، والبر جِماع حسن الخلق، بل إن هذه الكلمة ارتبطت بأعظم العبادات بعد التوحيد وهي الإحسان إلى الوالدين، فقد ذكرت في سياق التعامل مع غير المسلم لتحقيق هذا العيش المشترك ثم القسط، والقسط يحتمل أمرين العدل، والعدل أن تأخذ الحق الذي لك وتؤدي الواجب الذي عليك، ثم مقام فوق العدل وهو مقام الفضل والإحسان، قال تعالى: ((ولا تنسوا الفضل بينكم))، ولذلك قامت حضارتنا الإسلامية وعاش في كنفها أنماط من هذه الأجناس والأديان واللغات ووسعتهم جميعًا، ولذلك لما جاءت قضية الأسلمة والتعريب، كانت دول شمال إفريقيا انتمت إلى الحضارة الإسلامية لغة ودينًا، وأقباط مصر انتموا إلى الحضارة الإسلامية ثقافة ولغة وليس دينًا ووسعتهم الحضارة، وكذلك أجناس كثيرة من الهند والفرس والترك والمغول والحبش والبربر انتموا إليها دينًا وليس لغة ووسعتهم الحضارة، والآشوريون والكلدانيون عاشوا في كنف هذه الحضارة، ولم يكن هنالك لا تصنيف ولا إقصاء، ولم ينتموا إليها لا دينًا ولا لغة، فكل هذه الأجناس وسعتهم هذه الحضارة بسعتها في التعامل مع الآخرين.

وختم كلمته قائلاً: "لذلك لا بدّ والعالم اليوم يعيش هذا الاضطراب أن نعزز العيش المشترك في ظل وحدة معيار واستقامة ميزان القائم على العدل الذي لا يقصي أحداً، ويمكن لكل إنسان أن يعّبر عن فكرته وعن رأيه ومعتقده ما دام بنهج سلمي حضاري دون أن يقع فيه تعد للآخرين لا للرموز ولا للأديان ولا للمقدسات، ويبحث الناس عن مثل هذه القواسم المشتركة التي أمتنا بحاجة إليها، فنحن نحتاج إلى تعزيز هذه القواسم في إطار أمة الإجابة، ونحتاج إليها في إطار أمة الدعوة على مستوى هذا الكوكب الذي نعيش فيه جميعاً، والله تعالى يقول: ((والأرض وضعها للأنام)) فهي لكل الأنام ليحققوا فيها مصالح الوجود ومصالح العيش المشترك، وأختم بما قاله علي رضي الله عنه حينما ولى مالك بن الأشتر ولاية مصر، وقال له: "الناس صنفان إما أخ لك في الإسلام، وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتغلب عليهم العلل، ويُؤتى على أيديهم من العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثلما تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك". (İLKHA)



Bu haberler de ilginizi çekebilir