اتحاد الشغل يعلن عن إضراب عام في تونس غدا الخميس
يحبس التونسيون أنفاسهم استعداداً للإضراب العام الذي ينفذه الاتحاد العام التونسي للشغل غداً الخميس، والذي يشمل جميع مؤسسات القطاع العام، وذلك بعد فشل مفاوضات المحاولة الأخيرة مع الحكومة للتوصل إلى اتفاق بشأن تعليق الإضراب.
وعلى الرغم من تأكيد قيادة الاتحاد على أن الإضراب نقابي وهدفه اجتماعي بحت، إلا أن طابعه السياسي ليس خافياً على أحد، فهو تتويج لمسار تصعيدي متبادل بين النقابيين من جهة، ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى، إذ تعتبر هذه مناسبة لاستعراض القوة بين الطرفين في بلد منهك ومهدد بالانهيار. فما هي تداعيات هذه المواجهة المحتملة؟
كانت قيادة الاتحاد في مقدمة الأطراف المدنية والسياسية المؤيدة للخامس والعشرين من يوليو/تموز 2021 (عندما بدأ سعيّد إجراءاته الاستثنائية) واعتبرته حركة تصحيحية لا مفر منها. وتوقعت أن يتخذها الرئيس شريكاً رئيسياً لرسم ملامح المرحلة الجديدة، وعرضت عليه خطة، لكن سرعان ما شعرت بأن قيس سعيّد ليس كغيره من الرؤساء السابقين الذين كانوا حريصين على كسب ود النقابيين وتقديم التنازلات لهم. قيس سعيّد لا يريد شركاء، وهو عازم على الانفراد بالقرار والقيادة.
خلافات عدة بين قيس سعيّد و"اتحاد الشغل"
تعددت الخلافات بين الطرفين، وبدأت تتراكم الملفات المعلّقة. رفض الاتحاد الانحياز إلى رئيس الدولة، واختار تأسيس ما سماه بـ"الخيار الثالث" والوقوف على مسافة واحدة بين السلطة والمعارضة ولا سيما "جبهة الخلاص الوطني" أخيراً. بل هاجمت قيادة الاتحاد ولا تزال هذه الجبهة بقوة، وتبرأت منها نظراً لوجود ائتلاف الكرامة وحركة النهضة من بين أهم مكوناتها.
كما انتقد النقابيون بقوة المرسوم 117 الذي مكّن الرئيس من صلاحيات مطلقة. ورفض الاتحاد الفصل بين دوره الاجتماعي ودوره السياسي، واستمر في الضغط على الحكومة لحماية مصالح منظوريه، بما في ذلك استعمال وسيلة الإضراب.
من جهتها، لم تكتف السلطة بعدم تلبية الحد الأدنى من مطالب النقابيين، وإنما واجهتهم بإصدار المنشور عدد 20 الذي يمنع أي وزير في الحكومة من الدخول في مفاوضات مع النقابات إلا بإذن خاص من رئيسة الحكومة، أي عملياً رئيس الجمهورية. وهو ما اعتبره الاتحاد ضربة قوية للعمل النقابي.
كما حاولت السلطة أن تجرّ الاتحاد جراً لكي يوافق على البرنامج الحكومي الذي تم عرضه على صندوق النقد الدولي، من دون أن يتم التفاوض حوله مع النقابات، لكن الهياكل النقابية رفضت الأسلوب والمحتوى، وأعلنت أخيراً أنها غير معنية بهذا البرنامج بحجة تعارضه مع مصالح الطبقة العاملة، وبالتالي لن تلتزم بأي اتفاق يحصل مع الصندوق.
وقد وضع ذلك الحكومة في مأزق حاد، لأن صندوق النقد اشترط توقيع الاتحاد على مجمل الإصلاحات التي سيتم الالتزام بتنفيذها قبل الشروع في تقديم القسط الأول من قرض منتظر.
لهذا السبب، تحاول الجهات الرسمية تحميل القيادة النقابية مسؤولية إفشال المفاوضات مع الصندوق، وما سيترتب عن ذلك من تداعيات خطيرة على التوازنات الاقتصادية والاجتماعية وعلى عموم المواطنين.
"تحاول الجهات الرسمية تحميل القيادة النقابية مسؤولية إفشال المفاوضات مع صندوق النقد"
حملة واسعة ضد "اتحاد الشغل" التونسي
تعرّض "اتحاد الشغل" منذ رفضه دخول بيت الطاعة، إلى حملة واسعة من قبل أنصار الرئيس سعيّد، الذين يحمّلون الاتحاد جزءاً هاماً من مسؤولية الانهيار الاقتصادي في البلاد، ويصفونه بـ"اتحاد الخراب".
وقد بلغت هذه الحملة ذروتها في الفترة الأخيرة من خلال ترويج مقاطع فيديو تتضمن تهديداً بالعنف وحتى القتل لقيادات نقابية، وذلك من قبل أشخاص يدعون أنهم من أنصار الرئيس سعيّد.
كما تعتقد قيادة الاتحاد بأنّ السلطة الحالية حاولت اختراق صفوف الاتحاد واستغلال الخلاف الداخلي الذي يشق المنظمة في محاولة للإطاحة بها وتعويضها بقيادة بديلة تكون قريبة من قصر قرطاج، مثلما حصل مع "اتحاد الفلاحين".
كذلك، روّج البعض أخيراً لمعلومات عن "خطة" محتملة يمكن أن تلجأ إليها السلطة لتحجيم الاتحاد ونزع عناصر القوة منه، مثل إنهاء التفرغ النقابي، ووقف تمتع الاتحاد بنسبة واحد في المائة من ميزانية الدولة، ومطالبته بديون تبلغ حدود 14 مليار دينار (4.5 مليارات دولار).
وراجت أيضاً خلال الفترة الأخيرة أخبار غير مؤكدة تتعلق باحتمال غلق مقرات الاتحاد ووضع بعض قادته قيد الإقامة الجبرية، وهو ما كذّبته الحكومة وقيادة الاتحاد. أخبار اعتبرها النقابيون جزءا من الحرب النفسية المقصود بها إخافتهم وإرباكهم وإضعاف موقفهم ودفعهم نحو التراجع والتخلي عن الإضراب العام.
سعيّد مصرّ على إخضاع اتحاد الشغل لإرادته
العارفون بالساحة التونسية، يعلمون جيداً الوزن الفعلي للاتحاد وقدرته على شل البلاد ووضع السلطة أمام أسوأ الاحتمالات، خاصة في ظل السياق الراهن الذي يتسم بالانقسام والاستقطاب والهشاشة.
وعلى الرغم من إدراك الرئيس سعيّد لأهمية المنظمة الشغيلة، إلا أنه مصرّ على إخضاعها لإرادته، وعدم التنازل لها عن مسائل يعتبرها جوهرية. فهو لا يؤمن بتقاسم السلطة وتبادل الأدوار، وهي سياسة أصبحت معهودة لديه، سيستمر عليها إلى آخر المشوار.
المسلمون إذا أردوا أن يأخذوا مكاننا في هذا الشهود الحضاري فعلينا أن نؤدي دورنا كما رسمه لنا الله عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
(İLKHA)