ذكرى ثورة الشيخ سعيد البالوي السابعة والتسعون
بعد إعلان الجمهورية بدأت الاعتداءات على القيم الإسلامية وبعد إلغاء الخلافة الإسلامية ثار الشيخ سعيد أفندي وأصدقائه إلى ضد النظام الكمالي.
بدأت ثورة الشيخ سعيد البالوي في 13 شباط 1925 في قرية بيران التابعة لمدينة أغيل في محافظة دارا هني، حيث ثار الشيخ سعيد بعد انهيار الخلافة العثمانية على الذين اضطهدوا المسلمين واعتدوا على الشعائر الإسلامية، إلى أن النظام الكمالي قام باعتقاله وإعدامه. وقد أوصى الشيخ سعيد أتباعه قبل إعدامه قائلاً: "لا تبكوا ورائي كي لايفرح الظالمون وافهموا جهادنا جيدا و انقلوها من خلفنا. لا شك أن موتي لله وللإسلام"
وعلى الرغم من مرور 97 عامًا على إعدام الشيخ سعيد و46 أصدقائه من قبل محاكم الاستقلال في ديار بكر في 29 يونيو 1925، إلا أن الشعب الكردي المسلم لم ينس أبدًا قيام الشيخ سعيد ضد أتاتورك وأعوانه.
من هو الشيخ سعيد البالوي
ولد الشيخ سعيد في عام 1865 في قرية قولحسار بمدينة حنس في محافظة أرض الروم في شمال شرق تركيا. وهو أكبر أبناء الشيخ محمد.
أخذ تعليمه الأساسي في مدرسة عمه الشيخ حسن. وبعد إتمامه ذهب إلى مدارس متنوعة في مدينة بالو ومحافظة موش ومدينة ملازكيرت ومدينة حنس ودرس فيهم الفقه والحديث والتفسير والبيان وسائر العلوم الدينية.
قضى الشيخ سعيد حياته على الدين الحق والتوحيد والدعوة إلى الله فمن جهة كان يعمل في عمليات الإرشاد والتبليغ ومن جهة أخرى كان تاجرا ينفق جزءا كبيرا من ربحه على المدارس وطلاب العلم.
الشيخ كان لا ينظر إلى اختلافات المذاهب والأفكار، وكان فكره يتركز على حكم النظام الإسلامي ولذا فقد كان يناضل لأجل إعادة الخلافة الإسلامية مرة أخرى. وبعد إعلان أتاتورك للجمهورية التركية وقف في وجه النظام غير المسلم وبدأ بالجهاد لأجل دين الله تعالى.
خطابه في حفلٍ
قال الشيخ في حفلٍ: "أغلقت مدارسنا الدينية، ومنعت مؤسساتنا الدينية، وألغيت وزارة الدين والأوقاف، وضمت المدارس الدينية إلى وزارة التربية والتعليم، وسيطر علينا الكفر والشرك، واحتلت أراضينا حتى تجرأ الملحدين في كتوبهم على ديننا ونبينا فراحوا يتكلمون عنه بشكل سيئ ولو كان في يدي القوة لحاربتهم حتى يعلو دين الله."
وهذه الفتوى في خطاب الشيخ سعيد دعا فيها الشعب المسلم إلى الجهاد في وجه النظام الملحد:
"يا أيها الأنصار! يعمل رئيس جمهورية تركيا مصطفى كمال آتاتورك وأعوانه منذ تأسيسها ليهدموا أساس الدين المبين ويتصرفون ضد أحكام القرآن وينكرون الله ورسوله وقد قاموا بإسقاط الخلافة الإسلامية بإدارتهم غير المشروعة لذلك فالجهاد ضدهم فرض عين على كل مسلم حتى تحكم الشريعة الغراء فإن مال وأنفس الرؤساء وأتباع الجمهورية حلال للمسلمين."
"جاهدوا في سبيل الله واقتلوهم"
عندما تأهب الشيخ سعيد للقيام وأراد أن يخرج من بيته قالت له زوجته: " لمن تتركنا وتذهب، كيف سيكون حالنا؟"
يجيب الشيخ على هذا السؤال جوابا تاريخيا:
لو بقيت وحدي، أنا وهذه العصا فقط لا أترك الجهاد في وجه الكفار. أنا لست أغلى من سيدنا الحسين وعائلتي أيضا ليست أغلى من عائلته. إذا لم أقف أمام هؤلاء الكفار سيمسكني الزبانية من عمامتي ويرمون بي إلى جهنم. فهل تستطيعين أن تساعديني حينئذ؟ حين يقولون لي: "يا سعيد أعطاك الله مالا فماذا فعلت لله؟ وهؤلاء الكفار يضعون أوامر الله وراء ظهورهم.
نعم أنا بدأت بالجهاد والذي يخاف ولا يستطيع الجهاد أو المريض المعذور فلا يأتي. فهذا الطريق ليس طريق الجبناء
ذهب الشيخ سعيد في 14 فبراير / شباط 1925 إلى قرية قوبار – تبعد نصف ساعة عن مدينة داراهنية- وبات في هذه القرية. وفي صباح اليوم التالي ذهب الى المدينة ووعظ الشعب في كلمة
خبركم أني لا أجاهد لأجل عمل سيء، ولست ظالما أو مفسدا... ولا أبغ بهذا الجهاد فسادا وطغيانا في الأرض بل تمسكت بهذا النهج والطريق لأجل تحسين وضع أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي تسير نحو الفساد. ولا أهدف من هذا الجهاد إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
فمن يرى طريقي قويما فذلك من فضل الله. ومن يرد كلامي على ولا يقبل طريقي أنتظر وأصبر حتى يحكم الله بيني وبينهم. ولا شك أن الله سيحكم بيني وبين قومي بالحق فالله أعلم بالحق وأهله.
ثم قرأ هذه الآية من القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعاً" (سورة النساء: 71)
جهاد الشيخ سعيد البالوي
حاصر العقيد خالد مدينة موش. وسيطر السيد حسن من قبيلة جبران على قضاء حنص واستولى الشيخ عبد الله على قضاء وارتو في محافظة موش. وكذلك بعد صدامات صغيرة استولى على محافظة أرغاني ومعدن في محاظة دياربكر. وهاجم الشيخ سعيد مع 7000 مجاهد مدينتي قيغي وأغيل. واستولى على مدن هاني وليجى وبيران ثم في 14 فبراير / شباط سيطر على منطقة دراهيني كلها. وولى على دراهيني طالبه الشيخ حسن الموداني. أصبحت الضرائب المحصلة والأسرى يرسلون إلى دراهيني وبهذا أعلنت دراهيني عاصمة مؤقتة. وبعد أن استولى على جباقجور-بنغول سيطر على خاربوط أيضا. وبعد وقت قليل حصل على مساعدة من القبائل وهاجم دياربكير.
وبعد هذه التطورات قلقت الحكومة وحركت اللواء التاسع في محافظة سارقامش و اللواء الثامن في محافظة أرض الروم والسابع في دياربكير و حركت أفواج الفرسان الأول في محافظة ماردين والرابع عشر في محافظة الروهى والأول في محافظة وان وفرق الفرسان و قوات الحدود لمواجهة الشيخ و المجاهدين.
واستولى الشيخ على منطقة سلوان وبشيري ثم اتجه شمالا نحو باوا واستولى على مالازغيرت وبيران وبولانق. وبعد هذا هجم المجاهدون نحو مالاطيا وحرروا بوتورغا واستولوا على جميزغزك. ومن ثم اتجهوا نحو سيورك.
بعد هذا اتجه شيخ سعيد نحو دياربكير وهاجمها من الشمال والجنوب. وكان ناجحا في هذين الهجومين. ودخل محافظة ماردين من باب سري تحت الأرض. فواجه جيش الحكومة بهذا مفاجأة كبيرة الامر الذي دفعه الى الفرار إلى داخل القلعة.
لم يكن جيش الحكومة في دياربكير وحوله ناجحا لأن كل الأماكن كانت مغطاة بالمجاهدين ولكن الفرنسيين فتحوا في الجنوب معبرا لجيش الحكومة وكان هذا المعبر مغلقا في وجه المجاهدين. وخافت بعض القبائل من الحكومة وغيرت موقفها. ما دفع الشيخ ان ينسحب مجبرا. فالحكومة كان عندها علم بأخبارهم وأسرارهم. وقرر الشيخ وأصدقاؤه الذهاب إلى إيران
اعتقال الشيخ سعيد
المجاهدون في مدينة كنج كانوا في وضع صعب جدا. أثناء انسحابهم إلى إيران بدأت اشتباكات شديدة مع جيش الحكومة واستطاع المجاهدون كسر الحصار الذي فرض عليهم ووصلوا إلى قرب واتقوا. وبعد هذه الاشتباكات حشد جيش الحكومة عليهم وحاصر الشيخ مرة أخرى. بعد هجوم وصدمات دموية ونضال قوي لم يتمكن الشيخ من الخروج من هذا المكان. وهذا الهجوم كان بعد أخبار عديل الشيخ سعيد الرائد قاسم في 15 نيسان بين مدينة موش ووارتوا في جسر عبد الرحمن. ووقع معظم قادة المجاهدين مع الشيخ أسرى في يد الحكومة وكان بعضهم يعاني من جراحه. وبعد اعتقالهم أرسلوا إلى دياربكر.
وبعد اعتقالهم اتضح أن جاسوس الحكومة كان معهم ويجاهد في صفوفهم. وهذا الشخص كان عديل الشيخ الرائد قاسم
إعدامه مع 46 أصدقائه
وصل الشيخ وأصدقاؤه في 5 مايو إلى دياربكر. وأخذوا إلى المحكمة التي كان قرارها مبيتا. وكان قرار المحكمة في 28 حزيران يقضي بإعدام الشيخ وأصدقائه الستة والأربعين معا...
حين خرج الشيخ إلى ساحة الإعدام خطب إلى وفد التنفيذ وقال: "بالتأكيد سننتقم من الظالم والقتلة في يوم المحشر حيث يأخذ كل ذي حق حقه حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء. وأشكر الله الذي أنعم على بالشهادة."
ثم أخذ الشيخ إلى المشنقة. وهو يدعوا الله وعندما انتهى من دعائه. وضع الجيش حبل المشنقة المدهون على عنقه.
وفي هذا الوقت سئل الشيخ عن أخر ما يريد. فطلب الشيخ قلما وورقة وكتب في هذه الورقة بلغة العربية هذه العبارات: "ولا أبالي بصلبي في جذع الرادة، إن كان مصرعي في الله وفي الدين الله" (İLKHA)