الأستاذ محمد أشين: من كان شرفه على ظهور الإبل لن يكون عزيراً
كتب الأستاذ محمد أشين عن تاريخنا الزاخر بأبطال ضحوا بأرواحهم وأموالهم لأجل الإسلام، حيث يستمر إرث العزة عبر التضحية وليس المناصب أو الثروات، وصلاح الدين الأيوبي رمزٌ لهذه العزة، بينما من سعى للشرف في المال والرفاهية نسيهم التاريخ، وأهل غزة اليوم خير مثال على العزة والصمود.
كتب الأستاذ محمد أشين مقال جاء فيه:
تاريخنا مليء بصفحات ذهبية من الأبطال ومعاركهم، مليء بالشجعان الذين ضحّوا بمالهم، وأرواحهم، وأهلهم من أجل قضيتهم، فمنذ معركة هابيل وقابيل، استمرت هذه السلسلة من الأبطال بلا انقطاع.
هؤلاء الأبطال أحيانًا لم يدوّنهم التاريخ، لكن أهل السماء عرفوهم جيدًا، وسجلتهم الملائكة الكرام، فدعوة الإسلام هي قضية تستمر عبر الأجيال بالتوارث.
يقول الله تعالى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا" (سورة فاطر، الآية 32)، فلا يرث هذا الإرث إلا من اختارهم الله، من أهل الجدارة، أما من لا يستحقون فسيُستبعدون.
دعوة الإسلام، هي دعوة شرف وعزة، ومن اعتنقها أصبح عزيزًا. ولكي يكون لهذه العزة ثمن، فإن من يقبل دفع الثمن سيكون عزيزًا.
لا تحتاج للعزة مالًا أو جاهًا أو منصبًا أو أبناء أو متاع الدنيا، بل بالعكس، إذا استطعت أن تضحي بها من أجل قضيتك، ستكون عزيزًا، فهذه الدعوة ليست دعوة لاقتناء المال والمناصب، بل هي دعوة للتضحية.
غزة هي خير مثال على ذلك. "أهل غزة هم أهل العزة" تجسّد هذه الحقيقة.
في التاريخ، عندما علم أبو سفيان أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام وصحبه ينوون الهجوم على قافلته، فرّ بها إلى مكة، وحينما قال له البعض "أيهرب أبو سفيان؟ أين شرفك؟"، أجاب قائلاً "شرفي على ظهور جملي، نعم، أهرب".
وهذا يعكس حال بعض الناس في يومنا هذا، ممن يرون شرفهم وكرامتهم في السفن والحاويات والشركات ومراكز التسوق، أولئك الذين يعتبرون شرفهم وكرامتهم في المنصب والجاه الذي منحه لهم الاستعمار الأمريكي والصهيوني لا يمكنهم أن ينالوا هذا الشرف.
أما من يرون شرفهم في مصالح بلادهم الوطنية فحسب، لن يصلوا لهذا الشرف.
الذين اعتادوا على رفاهية الفنادق ذات الخمس نجوم، الفلل، والشقق الفاخرة، لا يستطيعون الخروج إلى ساحات الجهاد، فقد لبسوا ثوب الذل منذ زمن.
صلاح الدين الأيوبي كان من القادة النادرين في التاريخ الذين لم يمتلكوا قصرًا، عاش حياته على ظهور الخيل، في ساحات المعارك، وعندما توفي لم يترك مالًا أو ثروة، فقط 12 درهمًا وديناران، مع دينٍ بقيمة 200 ألف دينار كان قد اقترضها للجهاد.
وعندما مات، طُرح على الورثة خيار سداد الدين أو إهداء ما تبقى لبيت المال، فاختاروا الخيار الثاني.
ورغم مرور أكثر من 800 سنة، لم ينسَ الناس اسمه، واستمر نضاله مثالاً يُحتذى به، حتى أعداؤه يكنّون له الاحترام، أما من وضعوا شرفهم على ظهور جمالهم وأموالهم من الملوك والسلاطين، فقد طواهم التاريخ إلى الأبد. (İLKHA)