السودان.. عائدات الذهب ترتفع رغم تهريب نصف الإنتاج
أدى توجه رؤوس أموال وطنية نحو التعدين التقليدي للذهب، إلى إرتفاع عائدلته رغم الحرب المستمرة منذ نحو 17 شهرا.
ارتفعت صادرات السودان من الذهب خلال الفترة السابقة رغم الحرب المستمرة منذ نحو 17 شهرا.
ويعود سبب ذلك إلى توجه رؤوس أموال وطنية نحو التعدين التقليدي للذهب، إثر توقف الاستثمارات وتراجع النشاط الاقتصادي والتجاري، كما دفع تدمير المصانع وتوقف سوق العقارات أصحاب الحرف نحو مواقع إنتاج الذهب التي ترافقها عشرات المهن الأخرى.
وينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان، حيث يتمركز في 14 ولاية من بين 18 ولاية في البلاد، ويعمل فيه أكثر من مليوني شخص ينتجون حوالي 80% من كمية الذهب المنتجة هناك، حسب شركة الموارد المعدنية التابعة لوزارة المعادن.
ويعمل غالبية المعدنيين بأجر في استخراج حجارة تحمل بضع غرامات من الذهب يتم طحنها واستخراج الذهب منها، عبر "طواحين". ويتم إخراج الحجارة من آبار تعطي مؤشرات عبر أجهزة الكشف عن المعادن عن وجود المعدن النفيس.
ويرى خبراء أن التعدين التقليدي مصدر للتلوث حيث يستخدم الزئبق العضوي أو السائل بغرض استخلاص الذهب من الصخور، ويتم فرزه باليد ويسخن على شعلة أو على فرن حتى يتبخر الزئبق ويعزل الذهب.
وقال المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية (الذراع الرقابية لوزارة المعادن)، محمد طاهر عمر: "إن عائدات صادر الذهب كانت المصدر الرئيسي لموارد البلاد من العملات الأجنبية بعد انفصال جنوب السودان في عام 2011 الذي ذهبت معه نحو ثلثي عائدات النفط التي كانت تشكل 90% من موارد العملة الصعبة".
وفي حديثه، أوضح "عمر" أن مواقع التعدين التقليدي لإنتاج الذهب تقلصت من 14 إلى 6 ولايات وتراجعت أسواق بيع الذهب من 72 إلى 52 سوقا بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023، كما توقف الشركات الكبيرة التي لديها مناطق امتياز وغالبيتها أجنبية.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان بداية التعافي من صدمة الحرب، وعودة 6 شركات أجنبية كبيرة، كما دخل للتعدين التقليدي رجال أعمال توقف نشاطهم التجاري، وتوجهت العمالة التي فقدت مصادر رزقها نحو مواقع الذهب إما للتعدين التقليدي أو المهن الأخرى في أسواق المعدن الأصفر.
وكشف "عمر" أن إنتاج الذهب عبر التعدين التقليدي خلال الفترة منذ بداية العام الحالي وحتى أغسطس/آب الماضي بلغ 29.2 طنا بعائد 1.86 مليار دولار، ويتوقع أن يصل الإنتاج بنهاية العام إلى 60 طنا مع دخول شركات الامتياز التي استأنفت نشاطها، في حين لم يتجاوز الإنتاج في العام الماضي 6.4 أطنان بسبب الحرب والأوضاع الأمنية.
ويرى المسؤول الحكومي أن عائدات صادر الذهب يمكن أن تحقق 7 مليارات دولار في السنة، لكن نحو 50% من إنتاج الذهب يهرب إلى خارج البلاد عبر الحدود، لأن المنتجين يريدون بيعه بسعر البورصة العالمية بجانب حاجتهم للنقد الأجنبي.
ويضيف "عمر" أن الحكومة بدأت في خطوات لإنشاء بورصة للذهب، كما يجري تركيب مصفاتين للمعدن النفيس في عطبرة شمال البلاد، بجانب إجراءات لاستجلاب مصفاة ثالثة سيتم تركيبها في بورتسودان الساحلية شرق البلاد.
ونفى المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية أن يكون هناك تلوث باختلاط مخلفات التعدين التي تحتوي على مواد كيميائية ضارة بالصحة مع مياه الأمطار والسيول في شمال البلاد.
وأكد أن فريقا من إدارة المخاطر بشركته زار مناطق التعدين التقليدي وتحقق من عدم وجود أي مشاكل بيئية حيث تفرض الشركة عقوبات مشددة بشأن أي مخالفات تؤدي إلى الإضرار بالبيئة.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي "محمد الناير" أن ثروات باطن الأرض ثروات قومية ملك للدولة مثل البترول والذهب، لكن التعدين التقليدي عن الذهب يحوله إلى ثروة للأفراد الذين يدفعون للحكومة رسوما فقط.
ويشدد على التحول التدريجي من التعدين التقليدي إلى المنظم عبر الشركات المقتدرة وتطبيق قسمة الإنتاج بين الدولة والمستثمرين في القطاع كما حدث في قطاع النفط.
ويقول الخبير: "إن وقف الإنتاج التقليدي بصورة مفاجئة سيؤدي لتشريد مليوني عامل، وسيتأثر بذلك نحو 10 ملايين شخص من أسرهم، لذلك يتطلب التحول نحو تعدين منظم إلى تشجيع المنتجين الذين تحسنت أوضاعهم المالية لامتلاك آليات ومعدات متوسطة وصغيرة وتوقيع اتفاقيات لقسمة الإنتاج من أجل تعظيم فائدة الدولة".
ويدعو الخبير الاقتصادي إلى إنشاء بورصة للذهب، في حين انتقد تأخر الخطوة رغم وجود مشروع وخطة واضحة منذ عام 2015، وقال: "إن هذه الخطوة ستحد من تهريب إنتاج الذهب الذي يقدر سنويا بنحو 100 طن، وبناء احتياطي من المعدن النفيس لدى البنك المركزي".
ويعتقد "محمد الناير" أن السيطرة على الإنتاج يتم عبر سياسات، وليس إجراءات إدارية وأمنية فقط.
وحسب المتحدث، فإن استخدام مواد كيميائية مثل "السيانيد" و"الزئبق" في التعدين التقليدي لفرز الذهب عن الصخور له مخاطر بيئية وصحية، ويصعب مراقبة استخدام تلك المواد الضارة في التعدين التقليدي، وقال "ينبغي أن تشجع السلطات استخدام بدائل غير ضارة صارت متوفرة في الأسواق الخارجية".
ويقول الاستشاري في علم السموم، محمد السماني: "إن قطاعا مقدرا من العاملين في التعدين التقليدي عن الذهب يعانون من مشاكل صحية ناتجة عن تسرب مواد سامة إلى أجسادهم خلال عملية تبخر "الزئبق" لفرز الذهب من الصخور، لأن المعدنين يستنشقونه، مما يؤدي إلى فشل وظائف الرئة".
ويقول الاستشاري: "إن الزئبق الذي يتم امتصاصه يؤدي إلى مشاكل في الجهاز العصبي، مشيرا إلى أن هناك قضايا صحية أخرى منها الفشل الكلوي الذي يحدث في حال تراكم الزئبق".
ويشير إلى أن استخدام الزئبق يتم بطريقة عشوائية وبلا معايير علمية، في ظل غياب طرق صحيحة للتخلص منه.
وشهدت مناطق عدة في وقت سابق احتجاجات في مجتمعات محيطة بمناطق التعدين التقليدي بسبب تأثيره على الصحة، وتراكم أكوام النفايات السامة قرب المناطق الزراعية ومصادر المياه والمناطق السكنية.
ولا قانون مفعلا سوى مرسوم أصدرته حكومة الفترة الانتقالية في عام 2019، يحظر استخدام "الزئبق" و"السيانيد"، ولم يرتق إلى قانون بسبب غياب التشريعات، كما أن السودان لم يلتزم باتفاقيات دولية في هذا الشأن على الرغم من توقيعه على اتفاقية "ميناماتا" التي تمنع التعامل بالزئبق ونفاياته، والتي دخلت حيز التنفيذ عالميا في أغسطس/آب 2017، لكن لم يتم إقرار الاتفاقية رسميا من جانب الحكومة السودانية. (İLKHA)