أكدت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أن أكثر من 47 أسرة تضم 500 مواطن شطبت بالكامل من السجل المدني، جراء ارتكاب الاحتلال مجازر بقصف البيوت على رؤوس ساكنيها، في عدد من مدن ومخيمات القطاع.
وعبر إلقاء أطنان هائلة من القنابل والصواريخ، واصلت قوات الاحتلال الصهيوني لليوم التاسع على التوالي، محرقتها وجرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، واستمرت في قصف وتدمير منازل وأحياء سكنية كاملة على رؤوس ساكنيها، مقترفة المزيد من المجازر.
وأعلنت وزارة الصحة بغزة، صباح الأحد، ارتفاع حصيلة الشهداء منذ 7 أكتوبر، إلى 2329 شهيدًا، والإصابات إلى 9042 إصابة بجراح مختلفة.
وبين الشهداء 724 طفل و458 سيدة، فيما بين المصابين 2450 طفلًا و1536 سيدة.
وتحدثت المصادر عن المعاناة الكبيرة لسكان غزة ولأطفالها إزاء المحرقة الصهيونية، وبرزت قصص مؤلمة عما يتعرض له الأطفال.
فالرضيعة "نبيلة نوفل" أصغر شهيدة في غزة، والتي ولدت 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حلقت كنياشين الشهادة وأغاريد الجنان، وأسلمت الروح الصغيرة لبارئها، لتأخذ موقعها ضمن أكثر من 700 طفل من غزة الجريحة قضوا جراء المحرقة الصهيونية، وزفوا إلى أحضان الشهادة، التي كانت ولا تزال جزءًا من يوميات البراءة وأحلام الطفولة في غزة.
وللموت والأطفال في غزة عناق طويل، ما عاد الموت يخيفهم، ولا القنابل الحارقة ترهبهم، بل أكثر من ذلك ما عادت تشغلهم عن ألعابهم، لأنها أصبحت جزءًا من هذه الألعاب، وألحانًا في أناشيد البراءة، رغم أن الموت لم يفقد أيًا من صفاته، فما زال كالحًا وقويًا، وخصوصًا إذا ما حملته رصاصة أو صاروخ تناثرت أجزاؤه من ركام منزل محطم.
فقد حصدت آلة الحرب الصهيونية مئات الأرواح الصغيرة، وتركت بصماتها شاهدة في حروق شديدة وجراح وبتر لأعضاء كثيرة من تلك الأجسام الغضة.
ووفق الأطباء الغزيين فإن نسبة كبيرة من الإصابات كانت في الأطفال، ونسبة كبيرة من الجراحات والحروق كانت مميتة وبالغة الخطورة.
وأظهرت العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي تداولها الإعلام تهشما لرؤوس الصغار، وشظايا تخترق البطون والقلوب الصغيرة، كما حطم الركام المتناثر من العمارات والبيوت التي دمرها القصف الجنوني الصهيوني أجساد مئات الأطفال الصغار.
وبدا أن المأساة التي تستهدف الإنسان الغزي تركز في جانب أساسي منها على براعم الحياة، في مسعى للقضاء على جيل كامل من الأزاهير القابضة على جمر المقاومة، فمنهم من قضى وترك غصة الألم والفراق في نفوس والديه، ومنهم من جلس على الركام يبكي الأبوين والإخوة الذين قضى عليهم القصف، ولكلٍ قصةٌ دامية وذكرى لوعة وجرح فراق لا يندمل.
ومن بين المشاهد التي تصفع، بكل عنف، صمت العالم تظهر قصة الطفل رقم 101 الذي لم يُعرف ذووه، أهم من الأحياء أم من الشهداء، ليبقى شاهد مأساة، وعنوان مجزرة ينأى العالم عنها بصمته وتجاهله.
ورغم ما يلحق بأجسادهم من الألم، وما يتجرعون من فراق الأمهات والآباء والإخوة والأصدقاء، فقد وثقت وسائل إعلام ومدونون فلسطينيون، مشاهد من الصبر الخارق لعادة الأطفال بل لعادات الكبار، ولم تفلح مشاهد الموت والرعب في كسرهم أو التقليل من صمودهم.
تتحدث ابنة أحد الشهداء وهي تمرر يديها على خصلات شعرها قائلة: "يظنون أنهم كسبوا شيئًا بقتل أبي.. لقد طلب الشهادة ونالها.. وأقول لهم نحن أقوى منكم".
وفي مشهد آخر يواسي طفل غزي والده المصاب، رافعًا لمعنوياته مرددًا لا تخف يا أبي، وكن قويًا "ما تخافش يا بابا…أنا بخير خليك قوي".
ووفق اليونيسيف، فإن الصور والقصص واضحة: "أطفال يعانون من حروق مروعة، وجروح بالقذائف، وفقدان أطراف، والمستشفيات مرهقة بشكل تام لعلاجهم، ومع ذلك، تستمر الأرقام في الارتفاع".
ومع أن الصور واضحة، ومقاطع قتل الأطفال تبث على القنوات ومنصات التواصل بشكل مستمر، فلا يتوقع أن تستجيب تل أبيب عاجلًا لنداءات اليونيسيف، خصوصًا أنها تعمل منذ أكثر من أسبوع على ترسيخ سردية زائفة عن قطع الفلسطينيين لرؤوس 40 طفلًا، كما قام رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" بنشر صورة قال إنها لطفل إسرائيلي أحرقته حماس، وهي الرواية التي تفننت وسائل إعلام غربية في إثباتها قبل أن يتراجع بعضها ويعتذر، بعد أن يكشف خبراء وفنيون أنها ليست أكثر من كذبة استخدمت في سياق حملة دعائية مركزة.
وكان الصحفي الأميركي "جاكسون هينكل" هو أول من كشف عن زيف صورة "الطفل المتفحم" التي نشرها نتنياهو، مؤكدًا أنها صورة مفبركة باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي.
ثم جاءت المشاهد المصورة والموثقة لتعامل إنساني كبير من مقاتلي كتائب القسام مع الأسر الإسرائيلية وأطفالها لتنسف ما تبقى من تلك الرواية الملفقة.
وبين القصف المتواصل، والموت العابث بالأجساد الصغيرة وأزاهير الحياة المفتقة، تتواصل ما يصفها كثيرون بحرب إبادة في غزة، مستهدفة ضمن ما تقتل وتدمر الجيل الفلسطيني الصاعد المفعم بالنضال والصمود والعزيمة على التحرير، ترتوي الأرض هنالك كل يوم من الدماء، وتنبت كل يوم أيضًا فسائل من التضحيات المتواصلة، يكتب الليمون قصة براعمه التي لا يكسرها الرصاص، فكل ليمونة ستنجب طفلًا، ومحال أن ينتهي الليمون.