قال الكاتب "حسن ساباز" في زاويته الأسبوعية: "لقد رأى الجميع بوضوح أنّ العصابة الصهيونية الإرهابية يمكنها أن تتجاوز وتتخلى بكل سهولة عن كل المفاوضات والاتفاقيات الدولية والپروتوكولات، وأنّ القوانين الفاشية تدل على النظام الصهيوني هو نظام فصل عنصري.
وكان المتوقع في هذا الحال أن تتخذ الدول والشعوب التي لها علاقة بفلسطين موقفاً ضد هذا النظام الإرهابي، وأنّ تدعم المضطهدين بكل إمكانياتها، لكن مع الأسف فالواقع ليس هذا، حيث ظهر في الأجيال الجديدة من العالم العربي تيار "قومي جديد"، ليس له مبادئ، مجرد من أي قيم أخلاقية ودينية، وقائم على أرضية المصالح الخاصة، وينظر إلى القضية الفلسطينية أنّها عثرة وعائق في طريقه.
ومن أبرز أسماء هذا الجيل الجديد: "ابن زايد" و"ابن سلمان"، حيث ترى هذه العقلية، أنّه حان للعرب أن يخرجوا من الخليج ليصيروا فاعلين بشكل أقوى في السياسة العالمية، وأنّ يتخلصوا من اعتمادهم على الپترول في التجارة العالمية، وأن يُعرَفوا "بأمور أخرى" في العالم، وجعلت السياسة الأميركية بعد ترامپ هذا الهدف أكثر ظهوراً ووضوحاً، لكن إعلان الشراكة السعودية الجديدة مع الهند والصين وعقد السعودية اتفاقيات التسليح الضخمة مع روسيا أثار قلق أمريكا، فالسعودية صار لديها مشاريع ذات رؤية عالمية، وبدأت بالتقليل من مشكلاتها المحلية القريبة، بدلاً بالتوتر الدائم مع إيران في الخليج أو مواجهتها الدائمة في اليمن.
وتبدو فلسطين أنّها من أهم هذه المشكلات، فالسعودية التي تسعى لدور مهم في التجارة العالمية لابد أن تجاوز "حواجز يهودية" تسيطر على رأس المال العالمي، وهنا تكون فلسطين عثرة وعائق، وقد بدأوا باتخاذ خطوات للتخلص من هذا العائق.
وإنّ إجلاس القيادة السعودية للفصائل الفلسطينية على طاولة الحوار لم يكن لأجل التخلص من خلافاتها التي عطلتها عن مقاومة الاحتلال، بل ضغطوا بإصرار على فصائل المقاومة لتقبل بالمنظمة التي تحت حكم "عباس" وحلفائه بوصفها "سقف يظل الجميع".
وكان الواقع أن خففت حماس من لهجتها، وأصدرت "وثيقة سياسية جديدة" تتبين قبولها بإنشاء دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، وأعلنت الوثيقة السياسية أنّ حماس ليست في صراع مع اليهود؛ بسبب دينهم، بل مع المشروع الصهيوني، وصراع حماس معه ليس بسبب يهوديته، بلى هو صراع مع الصهاينة المعتدين المحتلين، ممّا يشير إلى أنّهم قد يستطيعون العيش كجيران بجانب دولة يهودية غير صهيونية.
لكن هذه العملية كشفت أنّ عصابة الاحتلال الصهيونية بشقيها الديمقراطي والمتشدد لا تهتم "بحل الدولتين"، وأنّ نظام الفصل العنصري الإرهابي بشقيه الحاكم والمعارض لا يقبل بتعبير "دولة فلسطينية"، والشيء الوحيد الذي قبلت به عصابة الاحتلال الصهيونية عبارة عن مجرد بضعة مستوطنات صغيرة خالية من السلاح وليس لها علاقات دولية ولا تحوي مطاراً وبالطبع تكون تحت السيطرة الصهيونية، أي مجرد لا شيء.
وإنّ اعتقال شرطة "عباس" لأعضاء المقاومة في الضفة الغربية حيث اشتدت المقاومة في الآونة الأخيرة يعني على الأقل رضا عباس بنموذج الإدارة المذكور.
وبملاحظة أخبار عن تلقي "عباس" لدعم على نطاق واسع بالمال من الخليج وبالمواد والذخائر من أمريكا يظهر الهدف الجديد بشكل تام.
وليس من الغريب مسارعة السعودية في "خطوات التطبيع" في وسط من "قومية جديدة" لا ترى معنى للقدس والمسجد الأقصى، بل نظر إلى القضية الفلسطينية بوصفها "عثرة وعائق".
لكن لعلّ بعد هذا الخريف، سيأتي في أي لحظة ربيع جديد، يعيد الدفء إلى المنطقة، قال الله تعالى: ﴿فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِرَبِّ ٱلۡمَشَـٰرِقِ وَٱلۡمَغَـٰرِبِ إِنَّا لَقَـٰدِرُونَ عَلَىٰۤ أَن نُّبَدِّلَ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَمَا نَحۡنُ بِمَسۡبُوقِینَ ﴾ [المعارج: ٤٠ - ٤١] (İLKHA)