في لقاء خاص أجرته وكالة إيلكا للأنباء ذكر الباحث في الشؤون الإسرائيلية بمركز رؤية للتنمية السياسية الأسير المحرر "صلاح الدين العواودة" أن يهود الحريديم أو المتدينين قد أصبحوا جماعات كبيرة في الكيان الصهيوني الذين أوتي بهم أصلاً لموازنة السكان الفلسطينيين العرب، وأن هؤلاء أصبحوا يشكلون كتلة كبيرة في الكيان، فهم لا يخدمون في الجيش ولا يرسلون أبناءهم إلى المدارس الحكومية، ولديهم مدارس دينية تعلم الدين اليهودي وتعلم التوراة فقط، فهؤلاء أصبحوا يشكلون عبئاً على الكيان وأصبحوا في صراع مع بقايا العلمانيين.
"قبل عام 1948 كان الكيان الصهيوني يعاني من قلة عدد اليهود، فاضطرَّ إلى استقدام اليهود الشرقيين لينافسوا الفلسطينيين بالعدد"
وذكر أن الكيان الصهيوني بدأ كمشروع علماني يساري بقيادة أحزاب علمانية يسارية وعلى رأسها "دافيد بن غوريون"، وكان هذا المجتمع يتم تشكيله من الوافدين إلى فلسطين من شتى أنحاء العالم، ففي البداية من قاد الحركة الصهيونية كانوا يهود من شرق أوروبا تحديداً، وما يسمى باليهود الأشكناز كانوا هم أصحاب فكرة الحركة الصهيونية، وهم حلفاء بريطانيا في هذا المشروع، لكن هؤلاء كانوا يعانون من قلة العدد فكانوا مضطرين إلى استقدام اليهود الشرقيين الذين يعيشون في البلاد العربية والإسلامية لينافسوا الفلسطينيين بالعدد عام 1948، حيث كان عدد اليهود في فلسطين لا يتجاوز 600 ألف يهودي، فكانوا بحاجة إلى عدد أكثر لمواجهة أكثر من مليون ونصف فلسطيني في فلسطين ذلك الوقت، فاستقدموا اليهود من شتى أنحاء العالم بكل الطرق بالترغيب والترهيب والإرهاب وما إلى ذلك؛ لينافسوا الفلسطينيين عدداً بالمنافسة الديمغرافية، وهذا ما جعلهم يأتون بيهود متدينين ولا يؤمنون بالصهيونية أساساً، وليسوا أبناء الحركة الصهيونية، وهذه الأعداد الكبيرة شاركت في تغيير وجه الكيان على مر السنوات، وبالتالي فقد أصبح الكيان أكثر تديناً مع قدوم هؤلاء الناس، ونشأت جماعات دينية، وبدأ يسيطر الدين أو المتدينون على الحياة السياسية، وتجليات هذه السيطرة الدينية أنها قد أصبحت هناك أحزاب دينية، وليس فقط أحزاب علمانية موجودة في الكنيسيت، حتى أصبح منها رئيس حكومة وهو "نفتالي بينت" رئيس الحكومة السابق.
وقال: "إن الشاهد في الأمر أن الدولة العلمانية برئاسة "بن غوريون" كانت تربي الأجيال وفق التعليم المدرسي الحكومي على أسس علمية، فتدرس الأولاد بأن يتم تطوير وسائل للزراعة والري بالتنقيط وتسميد الأرض وما إلى ذلك حتى يكون هناك زراعة جيدة، لكن اليوم مع وجود المتدينين وخصوصاً عندما أصبح "نفتالي بينت" المتدين وزيراً للتعليم أصبح يُكتب في كتب المدرسة أن الزراعة هي نتيجة صلاة الاستسقاء، وأن لديهم زراعة متطورة بسبب صلاة الاستسقاء، فهذا مثال للتغير الذي حصل في الكيان بين كيان علماني وكيان ديني".
"إن يهود الحريديم لا يؤمنون بالصهيونية، بل يؤمنون فقط بالتعليم الديني ويأخذون أوامرهم من الحاخام الأكبر، فهم الآن يشكلون عبئاً على الكيان الصهيوني"
وتابع قائلاً: "إن يهود الحريديم أو المتدينين قد أصبحوا جماعات كبيرة في هذا الكيان الذين قد أوتي بهم أصلاً لموازنة السكان الفلسطينيين العرب، فجاءوا باليهود الحريديم، وهؤلاء لا يؤمنون بالصهيونية بل يؤمنون فقط بالتعليم الديني وبدراسة التوراة ويأخذون أوامرهم من الحاخام الأكبر، ولا يسمعون للدولة ولا يطيعونها ولايؤمنون بالصهيونية أصلاً، فهؤلاء اليوم يشكلون كتلة كبيرة في الكيان، ولا يخدمون في الجيش ولا يرسلون أبناءهم إلى المدارس الحكومية، ولديهم مدارس دينية تعلّم الدين اليهودي وتعلّم التوراة فقط، فهؤلاء أصبحوا الآن يشكلون عبئاً على الكيان، وأصبحوا في صراع مع بقايا العلمانيين، لذلك نجد أحزاب دينية تصارع سياسياً على ميزانيات لمدارسها الخاصة، ومدارسها الدينية في مواجهة الأقلية العلمانية التي تحاول الإبقاء على دولة "بن غوريون"، وفي المقابل كان التعليم الحكومي هو الذي يسيطر، وكان إنتاج الجنود للدولة لخدمتها في شتى المجالات يتم من خلال الكيبوتسات، وهي عبارة عن قرى اشتراكية بُنيت على أساس اشتراكي، وعلى فكر اشتراكي يساري يتعاون فيها السكان رجالاً ونساءً وأطفالاً في حياة مشتركة في التعليم والزراعة والصناعة، وينتجون بشكل مشترك، بينما اليوم الجماعات الدينية منفصلة عن الدولة، ولا تنتج للدولة جنوداً؛ لأنهم يحرمون على أبناءهم الخدمة العسكرية في الجيش، لذلك فاليوم الانقسامات في الكيان أشد من السابق".
وبيّن أنّ سابقاً كانت هناك منافسة بين اليمين العلماني واليسار العلماني، مثل اليمين الممثل بالليكود الذي كان يقوده "مناحم بيجين" وإسحاق شامير مقابل حزب العمل اليساري الذي كان يقوده "بن غوريون" ثم "غولدمائير" ثم "شمعون بيريز" و"إسحاق رابين"، ولكن اليوم المنافسة بين المتدينين والأشدُّ تديناً في الكيان، بين اليمين الذي يتزعمه نتنياهو المتحالف مع المتدينين وبين يمين الوسط الذي يتزعمه يائير لابيد وكلاهما يتنافس على الصوت اليميني الديني، وكلاهما يدفع رشوة للمتدينين حتى ينتخبوه، فهذا يؤشر على تعقيد المشهد الاجتماعي إضافة إلى المشهد السياسي، ومعروف بأن السنوات الأخيرة تشهد أزمة سياسية، حيث لا يستطيعون تشكيل حكومة ؛ بسبب هذه النزاعات بين المتدينين والعلمانيين، وبين اليسار واليمين وبالتالي لديهم مؤسستان تعليميتان منفصلتان مؤسسة دينية تعليمية ومؤسسة علمانية تعليمية، فكأنهم كيانان داخل كيان واحد.
وأكد "العواودة" أن هذا الانقسام الحاد موجود في الكيان، وأنه وفق المحللين الاستراتيجيين في الكيان فإن هذا الانقسام يشكل خطراً أكثر من السلاح النووي، وأكثر من الانتفاضات الفلسطينية على بقاء الكيان الصهيوني. (İLKHA)