لا يزال العالم، منذ انطلاق الثورة السورية قبل 11 عاما، يشهد أكبر موجة لجوء ونزوح إنساني لشعب في التاريخ المعاصر بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
وتُقدّر منظمات الأمم المتحدة أعداد النازحين السوريين في وطنهم بنحو 6.9 ملايين نازح، مقابل نحو 5.5 ملايين لاجئ فروا إلى دول الجوار وأوروبا.
في هذا التقرير، نتعرف على خريطة انتشار اللاجئين والنازحين السوريين داخل بلادهم وحول العالم، وأبرز التحديات التي يواجهونها.
النازحون في الداخل السوري
يتوزّع نحو 7 ملايين نازح على 3 مناطق رئيسية في سوريا، وهي الشمال الشرقي، والشمال والشمال الغربي، ومناطق سيطرة النظام وسط وجنوبي البلاد.
ويقدّر عدد النازحين في شمالي وشمال غربي سوريا بنحو 2.8 مليون نازح، 80% منهم نساء وأطفال، وبينهم 46 ألفا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبحسب أحدث إحصائية لفريق "منسقو الاستجابة في سوريا"، بلغ عدد سكان المخيمات شمالي البلاد نحو مليون و44 ألف نازح، يعيشون في 1293 مخيما، من بينها 282 مخيما عشوائيا لا يحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.
وكشف شيخموس أحمد -رئيس مكتب المنظمات والشؤون الإنسانية في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد"- عن أن أعداد النازحين الموجودين في شمال شرقي سوريا بلغت مليونا و25 ألفا.
وأشار أحمد إلى أن نحو 900 ألف نازح يعيشون في منازل أو مدارس، و125 ألف نازح موجودون في المخيمات.
ويبلغ عدد المخيمات في شمال شرقي سوريا 15 مخيما، 6 منها في الحسكة التي تحتضن أكبر عدد من النازحين، وهي مخيمات الهول، والعريشة، وروج، ونوروز، وسريه كانيه، وواشو كاني. في حين توجد 5 مخيمات في شمالي حلب، وهي برخدان، وسردم، والعودة، وعفرين، والشهبا.
ظروف قاسية
ويعيش أهالي المخيمات ظروفا قاسية شتاءً، تزامنا مع هطول الثلوج التي تتسبب في صعوبات إضافية في ظل عدم توفر المحروقات أو الكهرباء أو وسائل تدفئة بديلة، وأدت إلى إغلاق الطرق التي تصل عبرها المساعدات الإنسانية.
وكشفت دراسة أجرتها منظمة "الدفاع المدني السوري" -شملت 192 مخيما يناير/كانون الثاني الماضي- عن أن فصل الشتاء هذا العام خلف أضرارا في 160 مخيما بنسبة 83%، في حين لم تتخط نسبة عمليات الاستجابة الإنسانية 40% فقط من المخيمات المشمولة بالدراسة
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن 167 شخصا قضوا بسبب البرد منذ عام 2011، بينهم 77 طفلا.
ولا يبدو واقع النازحين في شمال شرقي سوريا أفضل حالاً، حيث أعرب مارك كيتس -نائب المنسق الإقليمي لسوريا في مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة- عن قلقه حيال الأعمال العدائية المتصاعدة في مدينة الحسكة منذ يناير/كانون الثاني الماضي، التي أدت إلى نزوح نحو 45 ألفا من منازلهم إلى أماكن أخرى.
في حين جدّدت الأمم المتحدة، مارس/آذار الجاري، مناشداتها لرؤساء 57 دولة حول العالم لإعادة مواطنيهم الأجانب من مخيم الهول شمال شرقي سوريا، وكثير منهم عائلات لأفراد من مقاتلي داعش السابقين من الأجانب. وتشير المصادر إلى أن 65 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال، محتجزون هناك في ظروف غير إنسانية.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لتوزع النازحين في مناطق سيطرة النظام، فإن التقديرات تشير إلى أن اللاذقية في طليعة المحافظات المستقبلة للنازحين، تليها طرطوس، ثم حلب، ثم ريف دمشق، ثم السويداء، فدمشق.
ويعاني النازحون في مناطق سيطرة النظام من سوء الواقع المعيشي، في ظل تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، وانقطاع الكهرباء من 18 إلى 20 ساعة يوميا، إضافة إلى ارتفاع إيجار الشقق السكنية، وانعدام فرص العمل.
وقدّرت الأمم المتحدة أن 90% من السكان في سوريا يعيشون تحت خط الفقر، ويواجه 70% منهم نقصًا حادًا في الغذاء.
في دول الجوار السوري
تصدّرت تركيا قائمة الدول الأكثر استضافة للاجئين السوريين حول العالم لعام 2022، ويقدّر عددهم فيها بنحو 3 ملايين و741 ألفا، يعيش معظمهم في مدن إسطنبول وغازي عنتاب وهاتاي، بحسب أحدث إحصائية للمديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية.
وبالرغم من حصول أكثر من 193 ألف سوري على الجنسية التركية حتى نهاية العام الماضي، فإن الكثير من العقبات لا تزال تواجه اللاجئين السوريين في هذا البلد؛ وأبرزها الأجور الزهيدة، ومشاكل إدماج الطلبة السوريين في التعليم الحكومي.
ويحتل لبنان المرتبة الثانية في قائمة الدول المستضيفة للاجئين السوريين، إذ ذكرت الأمم المتحدة -في تقرير حديث- أن قرابة 900 ألف لاجئ سوري "مسجّل" يعيشون في الأراضي اللبنانية حتى عام 2022. بينما قدرت الحكومة اللبنانية وجود 500 ألف آخرين يقيمون بصورة غير قانونية.
وحسب التقرير، فإن 90% من الأسر السورية في لبنان تعيش في فقر مدقع في ظل الانهيار الاقتصادي والأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد، وعدم توفير عودة آمنة لهم.
ويأتي الأردن في المرتبة الثالثة بنحو 673 ألف لاجئ سوري مسجل، 19.5% منهم يستقرون في المخيمات، وأبرزها الزعتري والأزرق، ويتوزع الباقون على محافظات عمان وإربد والمفرق.
ويعيش 80% من اللاجئين السوريين في الأردن تحت خط الفقر، بينما 60% من العائلات السورية هناك في فقر مدقع.
ويحتل العراق المرتبة الرابعة بين دول الجوار المستضيفة للسوريين، حيث يعيش فيه 346 ألف لاجئ سوري، تليه مصر فالسودان.
في الدول الأوروبية
بلغت أزمة اللجوء السوري ذروتها خلال عام 2015، وكانت ألمانيا في طليعة الدول التي استقبلت السوريين الفارين من الحرب، ففي حين فرّ إلى أوروبا أكثر من مليون لاجئ سوري، قصد 59% منهم ألمانيا. ويبلغ إجمالي عددهم في هذا البلد حاليا 787 ألفا.
وتحتل السويد المرتبة الثانية في أوروبا باستقبالها لأكثر من 114 ألف لاجئ سوري، تليها هولندا بأكثر من 74 ألفا، فالدانمارك بأكثر من 17 ألفا، واليونان بنحو 38 ألفا، وفرنسا 23 ألفا، وسويسرا بنحو 7 آلاف، وبلجيكا بنحو 4 آلاف، وإيطاليا 4 آلاف، ورومانيا بأكثر من 3 آلاف، وإسبانيا 2352، وإيرلندا 1729، وبولندا 1069، ولوكسمبورغ 663.
وذكرت مجلة "أرشيف الصحة العامة" (Archive of Public health) أن عددا كبيرا من اللاجئين السوريين في ألمانيا يعيشون في ظروف غير جيدة، بسبب العوامل الاجتماعية والاقتصادية، كالسكن ومدة اللجوء والحالة الاجتماعية.
أما عن الصحة النفسية للاجئين السوريين، فذكرت مجموعة "الحدود في الطب النفسي" (Frontiers in psychiatry) المختصة بالأبحاث النفسية أن النسبة الأكبر منهم في ألمانيا وباقي الدول الأوروبية، يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، ومن الاكتئاب والقلق الناجم عما خبروه في بلادهم خلال فترة الحرب وعن انفصالهم عن عائلاتهم.
وإلى جانب الاضطرابات النفسية وصعوبات الاندماج، يواجه السوريون مخاوف من نوع آخر؛ حيث كانت الدانمارك أول دولة أوروبية تخبر اللاجئين السوريين على أراضيها أواخر عام 2021 أن موعد عودتهم إلى بلادهم قد حلّ، بعد أن جردت نحو 100 ألف من إقاماتهم وأرسلتهم إلى معسكرات الترحيل العام الماضي.
ووصف مدير حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية، ستيف سيموندز، سياسات الدانمارك بالإهانة المروعة لحق الناس في أن يكونوا بمأمن، واتهمها بإجبار الناس على العودة إلى "أيادي النظام الوحشي"، مشيرا إلى أن هذا الانتهاك قد يشكل حافزا للدول الأخرى لكي تتخلى عن التزاماتها تجاه السوريين. (İLKHA)