في لقاء مع أمين عام رابطة علماء المسلمين والمشرف على شبكة الهداية محمد عبد الكريم الشيخ قال: "أن حقيقة الشأن السوداني السياسي والأحداث التي جرت في سبتمبر2019 تخفى على كثير من الناس" وأضاف محمد عبد الكريم بأن الثورة على النظام السابق -نظام عمر البشير- كانت ثورة شاملة شارك فيها كل السودانيين، وكانوا يأملون من خلال هذه الثورة إلى الاطاحة بالنظام العسكري على اعتبار أن النظام العسكري لم يتِح للسودانيين حريتهم في بناء بلادهم".
"النظام السابق كان له ايجابيات في بعض الجوانب لكن الاستبداد طغى على ذلك"
وأكد: "النظام السابق كان له ايجابيات في بعض الجوانب، بالتنمية أو التوجه الإسلامي العام، لكن الاستبداد طغى على ذلك وأصبح هناك نوع من إحتكار السلطة بالنسبة للحزب المؤتمر الوطني، وأصبح همّ الرئيس في أيامه الأخيرة هو تكريس بقائه في السلطة بأي شكل، وهذا ما أدى إلى أزمات في مقدمتها الأزمة الاقتصادية فأصبح هناك شح في النقد المحلي، وأصبح هناك تضخم وإشكاليات أساسية بالنسبة للسلع الأساسية في الوقود والخبز وغيره، وازدحامات ضخمة لأخذ الخبز والسلع الرئيسة، وتطورت التضخمات بعد فشل ما بعد الثورة، كان يأمل الشعب أن يعيش حياة كريمة بعيداً عن توظيف الثورة التي لها أهداف أيديولوجية".
"للأسف بعد الإطاحة بالنظام السابق لم تكن هناك رؤية واحدة لحكم السودان"
وقال الشيخ: "للأسف بعد الإطاحة بالنظام السابق لم تكن هناك رؤية واحدة لحكم السودان، أي المكونات الأساسية التي شاركت في الحكم سواء المكون العسكري أو الأحزاب -الحرية والتغيير- التي استولت على السلطة باسم الشعب، في أي انتقال من العسكرية إلى المدنية، في أي حكم كان، الفترة الانتقالية تكون توافقية من أجل انتخابات حرة ونزيهة، يختار الشعب من يمثله إلا الحالة السودانية، بشكل غريب تقدمت قوى الحرية والتغيير -القحط- بطلب مشاركة للعسكر في الفترة الانتقالية، وهي أحزاب سياسية المفترض لا تشارك في الفترة الانتقالية، لأن الأحزاب السياسية ينبغي لها أن تستعد للانتخابات، لكن نظراً لأن بعض هذه الأحزاب التي في قوى الحرية والتغيير، مثل الحزب الشيوعي والحزب الناصري وحزب البعث أحزاب ليس لها رصيد شعبي كبير فهي تخاف من الانتخابات فلذلك فضلت أن تحكم الفترة الانتقالية وحدها بعيد عن تدخلات أحزاب أخرى، فأصبحت بعد الشراكة التي تمت مع العسكر يتحدثون عن الرهان وضرورة ذهاب البرهان ولا نريد حكم العسكر".
"لكن للأسف التوجه العام في هذه الحكومة أصبح محاربة المظاهر الإسلامية"
وتابع قائلا: "الذي كرس حكم العسكر في الفترة الانتقالية هذه هم الأحزاب، ثم جيء بعبد الله حمدوك على اعتبار أنه يمثل الحرية والتغيير وعلى اعتبار أنه في الأصل رجل خبير في السياسة والاقتصاد من أجل إخراج السودان من هذه الوهدة، لكن للأسف التوجه العام في هذه الحكومة أصبح محاربة المظاهر الإسلامية، ممثلاً ذلك أولاً في القوانين التي أرادوا وضعها، حتى قوانين الأحوال الشخصية، هناك قوانين إسلامية عريقة في السودان منذ جعفر نميري في قضية حرمة الخمر وأحكام أخرى".
وأضاف الشيخ قائلاً: "تم إيجاد نظام اسمه النظام العام يرعى الآداب ويرعى الجوانب الأخرى مع خطأ في التطبيق في بعض الجوانب بالنظام السابق أُلغِي النظام العام الذي نسميه بنظام الآداب، ويتواجد هذا النظام حتى في بعض النظم العلمانية، ولكن أُلغِيَ دون بديل فأصبح هناك حديث حول نظام الأحوال الشخصية، هذا النظام في السودان مبني في الأغلب على المذهب الحنفي من الإرث السابق في القضاء العثماني فجاء هؤلاء شكلوا لجنة أيضاً من أجل تغيير نظام الأحوال الشخصية عن طريق ناشطات موقفهن معروف من الإسلام ومن قوانين الشريعة الإسلامية".
وأردف: "النظام استهدف الآيات القرآنية في التعليم السوداني، فجاؤوا بشخص اسمه عمر القراي من الحزب الجمهوري الذي أسسه محمود محمد طه وهو يدعي بأنه جاء برسالة ثانية غير رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن الرسالة التي جاء بها تنسخ رسالة النبي عليه السلام، هذا أحد أفراد هذا التنظيم، وقد قتل بحكم محكمة الردة في عهد النميري فجيء بهذا الرجل لأجل تغيير المناهج وحصلت كارثة كبيرة جداً في مناهج التعليم بسبب رؤى هذا الشخص ورؤى الوزير الذي معه مما أدى إلى ثورة عند ا أساتذة التعليم في المساجد لدى العلماء ولدى عموم الشعب السوداني حتى اضطر حمدوك إلى إقالة رئيس المناهج عمر القراي، وهذه بعض ممارسات هذا النظام".
"هل نجح حمدوك في أساسيات ومتطلبات الفترة الانتقالية؟"
وأعرب الشيخ قائلاً: "فلا بد من وضع قانون انتخابات ولا بد من مجلس تشريعي يشرف على سير الانتخابات ويشرف على كل العملية التشريعية في الفترة الانتقالية، فهم ما أفلحوا في شيء فالوضع الاقتصادي تفاقم جداً وحدث انهيار في العملة السودانية وتضخم لمراحل بعيدة جداً أيضاً، كما حصلت كوارث أخرى أمنية وتم عقد اتفاقية جبا بالسلام مع الفصائل المسلحة دون مراعاة المناطق الأخرى مما أدى إلى نقمة بالنسبة لأهل الشرق، فحدث إغلاق للطريق الرئيسي المؤدي من بورتسودان - ميناء السودان الرئيسي- إلى الخرطوم، كما قامت بعض القبائل بإغلاق الطرق" وتابع: "لأنهم وجدوا أنفسهم ما حصلوا على حقوقهم في هذه الاتفاقية، يعني حتى الاتفاقية التي يتغنى بها أو التي تحدث عنها كانت اتفاقية أدت إلى المشاكل وكلها أصبحت حملأً ثقيلاً على المؤسسة العسكرية مرة أخرى لأنه شريك في الحكم وممثلاً في مجلس السياسة وفي بعض الوزارات أيضاً فقام الجيش بمحاولة انقلابية على البرهان ففهم البرهان فضغط الجيش على البرهان في ضرورة التغيير مما أدى إلى الانقلاب الذي كان في 25 اكتوبر الذي يسمى الخطوة التصحيحية على اعتبار أن الحكومة فاشلة وعاجزة عن أنها تتقدم، فحصل هناك ضغط دولي لإرجاع حمدوك تحت مسمى العودة إلى السلطة المدنية فتفاهموا مع حمدوك فجيء بحمدوك فوجد نفسه أمام انقسامات كبيرة، فالحاضنة السياسية لأساسية التي أتت به انقسمت إلى قسمين فأصبح هنالك اللجنة المركزية بالنسبة لقوى الحرية والتغيير قحط، وهناك جهة أخرة أخرى اسمها قوى الحرية وتغيير الميثاق الوطني ولكنهم لم يتفقوا على شيء لأن الحاضنة الأولة تريد العودة مرة أخرى إلى الأحزاب القريبة والتحكم في الوزارات عن طريق الذين يرشحون والذين يعينون".
"أقالوا آلاف مؤلفة من الموظفين"
و في ذات السياق قال: "طبعاً هناك كارثة ما ينبغي ذكرها، يعني هم قاموا بإيجاد لجنة تراجع تركة النظام السابق هذه اللجنة موغلة في الفساد وأوغلت أيضاً في ظلم منسوبي الخدمة المدنية فأقالوا آلاف مؤلفة من الموظفين تحت دعوة أنهم من النظام السابق حتى القضاة، وحصلت مجزرة في إقالة الموظفين إلى أن تدخلت المحكمة العليا فألغت الكثير من هذه القرارات يعني حدثت هناك مظالم كبيرة في هاتين السنتين، الآن الوضع الحالي أن عبدالله حمدوك قدم استقالته لأنه عجز عن تشكيل الحكومة وعجز عن أن يصل إلى صيغة توافقة فالشارع العام يريد الحكم المدني، لكن هذا الحكم لا يأتي إلا عن طريق انتخابات، ولا يمكن ايضاً في هذه الفترة الانتقالية أن تلغي حكم العسكر، لأن المتعهد الأول في الفترة الانتقالية هو العسكر، وأعطى الشيخ مثالأً عن الفترة الانتقالية في مصر في زمن خلع مبارك، فالطنطاوي ومن معه هم الذين أشرفوا على الفترة الإنتقالية إلى أن سُلمت المسألة بعد ذلك إلى حزب العدالة والتنمية وجاء محمد مرسي وأصبح رئيس وزراء، إلا في السودان فهم يريدون في الفترة الانتقالية للأحزاب أن تحكم مباشرة، وهذا معناه أن هناك مؤامرات وتصفية حسابات تحت مسمى المدنية".
وأوضح بقوله: "لذلك نحن رؤيتنا في تيار نصرة الشريعة ودورة القانون ومعنا كثير من الأحزاب السياسية أن الفترة الانتقالية ينبغي أن تكون فترة آمنة بعيداً عن قضية التشاكس الحزبي وبعيداً عن قضية استهداف الدين والقوانين، الفترة الانتقالية ينبغي أن يؤتى فيها بحكومة ليست حزبية ليست لها حاضنة سياسية يؤتى برجل من الكفاءات يشكل حكومته ويهتم بالقضايا الأساسية التي يحتاج إليها المواطن السوداني الذي يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب ويشرف على الإنتخابات ووضع قوانين الانتخابات، فالأحزاب السياسية تنشغل ببناء نفسها في الفترة المتبقية، ولا نظن أن هناك أعدل من هذا المنطق لسلامة الوضع في الفترة الانتقالية، لكن حينما تأتي أحزاب معينة تريد أن تحتكر السلطة في هذه الفترة فمعنى ذلك أنها ستكون لها معارضة ولا يصح أن تكون هناك معارضة لحكومة انتقالية، لأن الحكومة الانتقالية هي حكومة تسيير أعمال، وليست حكومة حزبية،
"الطريق الصحيح"
وتابع بالقول: "هذه رؤيتنا وما نؤكد عليه، فالمتوقع ثلاثة أمور إم أن الشارع سيعبأ ضد العسكر أو القيادة الحالية البرهان وحميدتي ومن معه، وبالتالي الجيش سيضطر لنفس الخطوة التي قام بها مع البشير أو مع ابن عوف في تغيير القيادة، يعني يحصل هناك تغيير على مستوى الجيش، بوجوه جديدة هذه الوجوه الجديدة التي ستأتي سيكون لها أحد الأمرين، إمّا أنها فعلاً تختار رئيس وزراء جديد وحكومة مدنية لتسيير الأعمال ويحصل عليها توافق سياسي وتتم بقية الفترة الانتقالية، أو أن تكون هناك انتخابات مبكرة، وهذه أيضاً ذات إشكالية لأنها ستجعل بعض الأحزاب لا ترضى لأنها غير مستعدة للانتخابات، فالذي ندعوا إليه هو ضرورة أن يكون هناك توافق سياسي ويجب أن يكون هناك حوار سياسي شامل، وأن لا يأخذ بمبدأ الإقصاء إلا اذا اتفقوا على شيء معين بالنسبة لرموز النظام السابق أمّا ما يتعلق بقضية الموقف تجاه من لهم توجه إسلامي كما كان يفعل النظام السابق، فهذا لن يأتي بخير، ولذلك يجب أن يكون هناك توافق سياسي ويجب أن يسير الناس في الطريق الصحيح في متطلبات الفترة الانتقالية، ولو سألنا أي سياسي لو استنطقنا التاريخ السياسي الحديث في قضية الانتقال من العسكرية إلى المدنية لوجدنا أنفسنا أمام متطلبات محددة للفترة الانتقالية، وهذا كل ما نريده". (İLKHA)