كتب الأستاذ محمد أشين مقالاً جاء فيه:
يقول ابن الأثير إنه بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز، لم يشهد قائداً أعظم ولا أكثر عدلاً ورحمة من نور الدين زنكي.
لم يكن نور الدين مجرد مجاهد في ميادين القتال، بل كان قائداً متديناً وعادلاً، وباني مؤسسات تحفظ الدولة وتُعزز قوتها، كان رجل دولة وسياسة حقيقي، أسس حكمه على الحق والعدل، وليس على الظلم والكذب.
بنى نور الدين مدارسًا ومجامع علمية أكثر من القلاع والحصون. وكان هدفه النهائي تحرير الأراضي الإسلامية من الوجود الصليبي واستعادة القدس.
أمر بصنع منبر شهير ليتم وضعه في المسجد الأقصى عند تحرير القدسن كان هذا المنبر رمزاً للإيمان بالقضية والأمل والهدف، ظل هذا المنبر محفوظًا في حلب لمدة 20 عامًا، لكن لم يتح لنور الدين أن يضعه في مكانه، إلا أنه ترك وراءه خطة ومشروعًا وميراثًا لقضية مقدسة.
ترك نور الدين أجيالاً وشخصيات وجيشاً يحملون القضية ويكملون المسيرة، توفي نور الدين بقدر الله وهو في الثامنة والخمسين من عمره، وخلفه ابنه الملك الصالح إسماعيل البالغ من العمر 11 عاماً.
كان من المستحيل أن يتحمل طفل بهذه السن إدارة الدولة أو حمل هذه القضية، لذلك، تولى شمس الدين بن المقدّم الوصاية على الدولة وأموالها نيابةً عن الملك الصغير، لكن هذا الوضع تسبب في فراغ سياسي وصراع بين الأمراء الزنكيين، وأدى إلى فوضى.
بدأ ابن المقدّم بالتقرب إلى الصليبيين وإقامة علاقات معهم، مما أثار خوف العلماء وأعيان الدولة وسكان دمشق، فكتبوا رسائل إلى صلاح الدين الأيوبي يطالبونه بالقدوم لتولي حكم الدولة.
في ذلك الوقت، كان صلاح الدين حاكم مصر، وبعد هذه التطورات الحرجة، تحرك من مصر نحو دمشق، وفي عام 570 هـ/1174 م، وصل إلى دمشق ودخل القلعة، وجمع كل الأموال والممتلكات الثمينة الموجودة فيها، ثم وزعها على مستحقيها والفقراء لتحقيق العدالة الاجتماعية.
لم يكن لصلاح الدين أي طمع في الدنيا أو المناصب، وهذا ما زاد من ثقة الناس فيه وحبهم له، لم يتولَّ صلاح الدين حكم دولة نور الدين زنكي فحسب، بل تبنى قضيته أيضاً.
بدأ صلاح الدين بضم بلاد الشام، التي تشمل سوريا ولبنان وفلسطين، إلى مصر، وكان هذا خطوة استراتيجية فتحت الطريق لتحرير القدس وحصار الصليبيين، ومنذ ذلك الحين بدأت هزائم الصليبيين تتوالى.
لم يكن من الممكن تحرير القدس دون دمشق، ولا يمكن لدمشق أن تحافظ على استقلالها الكامل دون القدس.
بعد تقسيم بلاد الشام من قِبَل القوى الاستعمارية، تمكنوا من احتلال القدس، ومع انتهاء نظام البعث الذي حكم سوريا لمدة 61 عامًا، يجب أن تعود دمشق إلى رسالتها التاريخية ودورها الحضاري.
يجب أن تصبح دمشق، دمشق نور الدين وصلاح الدين، عاصمة الحق والعدل والعلم والمعرفة.
يجاور ضريح صلاح الدين رمز دمشق، الجامع الأموي.
ينبغي أن تعود دمشق لتكون مدينة تُنشأ فيها الأجيال التي ستعيد القدس إلى حريتها، ومدرسة للعلم وثكنة لجيوش التحرير.
ويجب أن تعود دمشق "سوريا" التي فُرض عليها أثناء الانتداب الفرنسي إلى "الشام الشريف". (İLKHA)