جاء في المقال الأسبوعي للكاتب ميرعلي ييلدريم، في وصف لحال بلاد الإسلام في مقابل المعسكر الغربي ومدارسه:
إن الإسلام متسامح مع اختلاف الأعراق والألوان والمعتقدات والثقافات وتنوعها، وهو يهدف إلى إحياء الفرد والمجتمع في العالمين.
فيقوم الإسلام بتبليغ رسالته ومبادئه، ويقوم بتنفيذ أحكامه وقوانينه، لكن يدع للمخاطب خيار اعتناقه، ولا يعيش الإسلام أي مخاوف، بل يواجهها ويجد حلاً لها.
قال تعالى: ﴿لَاۤ إِكۡرَاهَ فِی ٱلدِّینِۖ قَد تَّبَیَّنَ ٱلرُّشۡدُ مِنَ ٱلۡغَیِّۚ … وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ ﴾ [البقرة : ٢٥٦]
﴿ٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ﴾ فوحده ﷻ من يحاسب على ما في القلوب، ولا يوجد في الإسلام جزاء أو قرار يُتخذ بناءً على مجرد قراءة النوايا أو التخمين أو الإحساس.
منذ بداية الإسلام حتى العصر العثماني، عاشت الأقوام على اختلاف أجناسها وأعراقها وألوانها ولغاتها وأديانها ومعتقداتها في الأراضي التي يحكمها الإسلام متمسكةً بدينها وثقافتها، ورأى كل قوم حسن التقبل لهم، وحتى الإدارات الحاكمة رأت هذه الاختلافات وسيلةً للمكافأة والامتياز.
"ديار الروم، كُردستان، توران، فارس وإيران، خوزستان، بلوجستان، …" أسماء مثل ألوان الربيع، كانت وسيلةً للتعارف.
"بلال الحبشي، جابان الكُردي، سلمان الفارسي، أويس القرني، الإمام البخاري، سعدی الشيرازي، …" أسماء بارزة تمثل الشرف والاعتزاز وتظهر الأخوة والسلام وعظمة الإسلام.
أما اليوم، فقد صارت كلمات مثل "كُرد، كُردي" مسألة بقاء وقضية وجود، مسببةً خوفاً حقيقاً في الشرق الأوسط.
كان كل مكان جميلاً باسمه القديم، ثم قمنا بتحويل أسماء مدن برمتها، فتحولت؛ آمَد إلى ديار بكر ،
و جۆلیگ إلى بيكگول،
و آگِری إلى آغرى، …، لكن لم تتغير ولن تتغير،
بل أسماء قرى صغيرة، مثل:
حاميقان إلى طورمش،
و زَغَلان إلى يوقارى طورمش،
و قورِقان إلى اووهجق،
و لَگَن إلى باشيورد،
و قلمزن إلى برداقلى،
و گۆلان إلى يوغونآغاج، …، تغيرت أسماؤها، لكنها لم تتغير.
لم توجد أصلاً ضرورة لتغييرها؛ لأن الإنسان مثل الأزهار، كلٌ جميلٌ بذاته وحقيقته.
ماضي الغرب هو تاريخ من دراكولا وفلاد المخوزق ومصاصي الدماء والمجالدين ومصارعي الثيران الذين يبثون الرعب في الحلبات.
ورغم استمرار الغرب في استعماره الإمبريالي بشكله ما بعد الحداثة، لكن من الواضح تقدمه، بالمعنى العام، على الدول الإسلامية.
الشعوب المسلمة تهرب من دولها وحكوماتها وظلمها، لتنجو بأرواحها، في موجة هروب من ديار الإسلام إلى بلاد الإفرنج.
أيها الناس! إلى هناك، تهرب أمة محمد ﷺ رغم البحار والمحيطات والأسوار وحقول الألغام.
أيها الأمة! إلى هناك، حيث تجرف السواحل جثث الأبرياء.
أيها المؤمنون! هؤلاء المدانون لأفكارهم، الذين لا يأمنون على أرواحهم، ويبيتون قائلين "… سيأتون فجأةً ذات ليلة …" ثم يختفون في الظلام الدامس، هم إخواننا!
نحن ديار الملايين الذين تركوا ميراث أسلافهم، وفي فجر يوم لم يتوقع هجروا بيوتهم.
نحن ديار أمة، حيث يضرب الأخ أخاه، وينتشر الموت في الجبال التي تفوح برائحة الزعتر، وتُهجر السهول الخضراء.
نحن الديار الخصبة الغنية، التي غزاها الصليبيون والمغول، بلاد الوفرة والثروات، ثم صرنا أرضاً لملايين من الفقراء، العاجزين والعاطلين. وما كان في ديارنا من جمال، ثراء، عدالة وكفاءة .. صار خراباً وتراباً.
"في يوم كنا أمة، وكنا أي أمة ⋯ أتينا الدنيا، وعلَّمنا كيف تكون الأمة"
الكثير من كان لدينا من الجمال والثراء والعدالة والكفاءة .. صار في يد الفرنجة.
في سويسرا الصغيرة، أربع لغات رسمية، و52 ديانة في أمريكا ذات القوة العالمية، ولم يكن ذلك مسألة بقاء ولا قضية وجود، ولا سبباً للخوف، والرفض والإنكار، والصهر والاستيعاب، والإعدام والتدمير، بل جعلوا من هذه الاختلافات القوة والأمن والأمان والسعادة والثراء.
والأمس وافق مجلس البرلمان الإسباني على جعل القطلونية لغةً رسمية، ولم تقم القيامة.
أخوتي، إياكم أن تفسروا كلماتي هذه مديحاً للديار الصليبية الرأسمالية الإمبريالية ذات الإبادات والمجازر، البتة، هم مستغِلو ثروات العالم، ومرتكبو أفظع الإبادات والجرائم والسيئات، ومنتهكو الحرمات.
لكنهم يعرفون طريق ضمان "العدالة والكفاءة والاستقرار والأمن" في بلادهم ويسلكونه.
"في يوم كنا أمة، وكنا أي أمة ⋯ أتينا الدنيا، وعلَّمنا كيف تكون الأمة"
أما اليوم، نسمي ذلك تخلفاً ورجعيةً، ونظن أننا ارتقينا، لكننا إلى القاع ننحدر.
ديار العدوى والوباء، وصراع الإخوة، وحروب المائة عام، والسفالة والانحطاط تنقض القيم التي سمت بنا "العدالة، الكفاءة، العلم، …" ونحن نتعفن وننهار بجاهلية ما بعد الحداثة التي أوصلت بالغرب للانهيار والانحلال.
الغرب الذي بدأ انحداره من القمة، يشعر بالخوف والقلق من الإسلام الصاعد. ولكن … .
والسلام. (İLKHA)