نشأ العالم على نظام أحادي القطب بقيادة أمريكية، تصول وتجول حيثما تريد، متجاوزة عدد من المؤسسات الدولية كـ الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي التابع لها.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي كان يمثل العقبة الكبرى أمام المشاريع الإمبريالية الأمريكية، كرست الولايات المتحدة هيمنتها على العالم.
ويرى الكاتب حسن ساباز، أنه في بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا كان اختلال توازن القوى بارزاً، فروسيا ذات القوة الكبيرة العريقة فتحت عدة جبهات وتقدمت مجتازةً الحدود الأوكرانية بسرعة، وكان من المتوقع من أوكرانيا إما أن تقاوم هذا الهجوم بكل إمكانياتها أو توافق على السلام تحت شروط روسية أو تستسلم، لكن وعود أمريكا والدول الأوروبية، وعلى رأسها إنگلترا، بتقديم الدعم بجميع أنواعه أعطى دافعاً قوياً لأوكرانيا.
وقد أثار حماس الأوكرانيين ومخاوف الروسيين، فالمسيرات المسلحة، أي الطائرات بدون طيار المسلحة، التي جعلت القوة الروسية التقليدية بدون فعالية تقريباً، وفي البداية كانت مساعدات الغرب لأوكرانيا محدودة وسرية, ثم صارت مفتوحة وعلنية، ولم تلقِ أمريكا وحلفاؤها بالاً لتحذيرات روسيا: "إن مدكم بالسلاح سيسبب الحرب"، أو تهديداتها: "سنستخدم السلاح النووي"، واستمروا بمد أوكرانيا بالسلاح لحد فاق توقعهم، حتى استطاع الجيش الأوكراني أن يشن هجوماً مضاداً في بداية الصيف، لكن سرعان ما تكيفت روسيا مع الواقع الجديد، وبدأت باتخاذ احتياطاتها اللازمة في الميدان، وتأكد بوتين أنه في حرب مع أمريكا وعموم أوروبا، بتخطيط الخبراء العسكريين الغربيين، شنت أوكرانيا هجومها المضاد مستخدمةً مختلف الأسلحة الثقيلة التي مدها بها الغرب, وكان من آخرها أسلحة مصنوعة من اليورانيوم المخصب، وفي حين أن أوكرانيا تهدف لتحرير أراضيها المحتلة، كان الغرب لديه مخطط آخر.
فبعد انتهاء الحرب الباردة ثم انهيار الاتحاد السوفيتي، قَبِل الغرب العمل ضمن نظام "عالم أحادي القطب" بقيادة أمريكية، لكن عارض ذلك بوتين وروسيا.
في البداية قام بوتين بتصفية المعارضة الداخلية, ثم نجح في إبقاء العديد من الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي تحت "مظلة روسيا" مشكلاً رابطة الدول المستقلة، وبأسلحتها النووية وتقنياتها العسكرية المتطورة دائماً، وقوتها التقليدية التي ترهب أوروبا، بدأت روسيا مرة أخرى بنشر رسالتها عن "عالم ثنائي الأقطاب".
ورغم أن كثير من الاستراتيجيين في الغرب كان يتوقع ذلك أكثر من الصين، إلا أن روسيا عادت للظهور كخطر وتهديد بسبب حملاتها السياسية وعلاقاتها مع دول مناهضة للغرب.
وبرز اسم روسيا أكثر في عناوين أحداث الشرق الأوسط والشرق الأقصى في آسيا وفي أفريقيا حيث تتجول أمريكا كما تريد.
فتغيرت الحسابات الأمريكية في سورية مع التحركات الروسية والتُركية، حتى وصلت أمريكا لحد التعامل مع حزب العمال الكُردستاني، ورغم كل التصريحات الأمريكية والتحذيرات التي هي في حقيقتها "تلويح بالعصا من تحت العباء"، استهدفت تُركيا حزب العمال الكُردستاني بكل وحداته.
أيضاً حرصت كثير من الحكومات الأفريقية المناهضة لفرنسا على التقاط صور تجمعها مع روسيا.
وبعد الإطاحة بـعمران خان الذي تمتع بعلاقات جيدة مع الصين، أبدت الهند انزعاجها من التدخل الأمريكي المعتاد في باكستان.
الخطوات المتخذة لأجل جعل مجموعة BRICS أكثر فعالية أو لأجل العملة المشتركة أو لإنهاء هيمنة الدولار، لم تصل لحد يهدد النظام العالمي، لكن ليس صحيح القول أن ذلك لا تقلقه أو تزعجه.
وبعد حصول تُركيا على أنظمة الدفاع S-400 من روسيا، تم استبعادها من مشروع طائرات F-35 ضمن إجراءات قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة الأمريكية بالعقوبات، وشملت هذه العقوبات العديد من الشركات، ولم تتمكن تُركيا من الحصول على الطائرات الحربية التي دفعت ثمنها.
لكن رغم أن الهند أيضاً اشترت من روسيا أنظمة الدفاع S-400، إلا أنها أُعفيت من عقوبات هذا القانون، بل حتى السعودية أيضاً اتفقت مع روسيا بشأن أنظمة الدفاع S-400.
وفي اجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سېرغي لافروف في موسكو, قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي: "إننا مستعدون للمساهمة مع روسيا في تشكيل عالم متعدد الأقطاب".
في عالم متعدد الأقطاب, ربما لن يتمكن لمثل الهند والصين أن تؤكد وجودها في مواجهة أمريكا، أما روسيا، فإن أمريكا تراها متصدرة في هذا المجال، فلذلك تسعى لإضعاف روسيا قدر ما يمكنها من خلال أوكرانيا.(İLKHA)