داعية ومجاهدًا وسياسيًا ماهرًا وثائرًا ينشُد حق وطنه وشعبه في الحرية والانعتاق من الاحتلال، هكذا عرف الفلسطينيون عبد العزيز الرنتيسي أحد أبرز قادة حركة المقاومة الإسلامية " حماس " وقائدها في قطاع غزة وقت استشهاده.

كجبال فلسطين الشامخة، ومقدساتها التي تقاوم التهويد، كساحة العامود وبابها العصي اليوم وكل يوم على الغرباء، كشباب فلسطين الثائرين اليوم في يافا وحيفا واللد والخليل ورام الله ونابلس والقدس المحتلة، بوجه الاحتلال سعيًا إلى الحرية، رسّخ الرنتيسي مقاومة الاحتلال منهجًا وطريقًا وحيدًا في سبيل أن ينعم الشعب الفلسطيني بحريته واستقلاله.

واختط الرنتيسي طريق الجهاد والمقاومة، وأيقظ معاني الانتماء الحقيقي لفلسطين والتضحية من أجلها والعمل في سبيل تحريرها من أيدي الغزاة المحتلين، وترك إرثًا كبيرًا مقاوِمًا، وفكرًا ثوريًا، غدا اليوم منارة عصية لا يفهم بوصلتها غرباء الأرض، منارة لا تنطفئ يهتدي بنورها شبابنا الثائرون نحو حرية القدس وفلسطين.

نشأة الرنتيسي

ولد عبد العزيز الرنتيسي في قرية يبنا قضاء الرملة في 23 أكتوبر من عام 1947م، لجأت أسرته بعد حرب 1948م إلى قطاع غزة كحال معظم العائلات الفلسطينية آنذاك والتي هُجرت قسراً تحت وقع المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.

التحق الرنتيسي في السادسة من عمره بمدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، واضطر إلى العمل أيضًا في مرحلة مبكرة من العمر ليساهم في إعالة أسرته التي كانت تمر بظروف صعبة.

عمل الرنتيسي طبيبًا في مستشفى ناصر الحكومي عام 1976 بعد حصوله على درجة الماجستير في طب الأطفال من جامعة الإسكندرية، ثم محاضراً يدرّس مساقات في العلوم وعلم الوراثة وعلم الطفيليات في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978م.

شغل الرنتيسي عدة مواقع في العمل العام، منها عضوية الهيئة الإدارية في المجمّع الإسلامي والجمعية الطبية العربية بقطاع غزة والهلال الأحمر الفلسطيني.

رحلة المقاومة

ومع تصاعد جرائم الاحتلال بحق شعبنا وأرضنا، انتفض الرنتيسي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان صوت الشعب الفلسطيني المقاوم خلال كفاحه وجهاده، وكانت له صولات وجولات في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

التحق الرنتيسي بصفوف جماعة الإخوان المسلمين في أثناء دراسته للماجستير في مصر، ثم بايع جماعة الإخوان المسلمين عام 1976م، ثم ترأس جماعة الإخوان المسلمين في محافظة خانيونس.

وكان للرنتيسي عام 1987م شرف المشاركة في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، بالتزامن مع تفجر انتفاضة عام 1987م، وهو ما ساهم في دفع العمل الفلسطيني المقاوم.

التحق الرنتيسي بالعمل المقاوم ضد الاحتلال منذ بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987م، وبلغ مجموع ما قضاه في سجون الاحتلال سبع سنوات، معظمها في العزل الانفرادي.

الاعتقال والإبعاد

وكان أول ما اعتقل الرنتيسي في العام 1983م قرابة شهر، حين رفض دفع الضرائب لسلطات الاحتلال، إلى أن أعادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقاله مرة أخرى عام 1988 بسبب نشاطاته المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وأفرجت عنه لاحقاً بعد اعتقاله مرة أخرى ولمدة عام كامل عام 1990.

أُبعد الرنتيسي في 17 ديسمبر/كانون الأول 1992 مع أربعمئة من نشطاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي وقادتهما وكوادرهما إلى جنوب لبنان، حيث برز ناطقًا رسميًا باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة بمنطقة مرج الزهور لإرغام الاحتلال الإسرائيلي على إعادتهم.

اعتقله الاحتلال فور عودته من مرج الزهور، وأصدرت محكمة إسرائيلية عسكرية حكمًا عليه بالسجن، حيث ظل محتجزًا حتى أواسط عام 1997.

بعد أقل من عام من إفراج الاحتلال عنه، وفى إطار تكامل الأدوار بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، اعتقلته السلطة بتاريخ 1998، وبلغ مجموع ما قضاه في سجون السلطة 27 شهرًا.

لم تمنعه الملاحقات والاعتقالات من حرصه على الوحدة الوطنية وترسيخ قواعدها وحماية السلم الوطني الداخلي بين القوى الفلسطينية، ولعل ذلك يظهر جلياً من خلال مقولته "أول ما أفكر فيه ترسيخ قواعد الوحدة الوطنية في الشارع الفلسطيني".

وفى إطار تبني الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاغتيال ضد رموز العمل الوطني الفلسطيني، تعرض الرنتيسي قبل استشهاده لمحاولة اغتيال في العاشر من يونيو 2003، استشهد فيها مرافقه مصطفى صالح إضافة إلى طفلة كانت قرب مكان الاستهداف، فيما أصيب نجله أحمد بجروح خطيرة، سبقتها محاولة اغتيال عام 1992 في أثناء الإبعاد في مرج الزهور.

وبعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين في غارة إسرائيلية استهدفته في الثاني والعشرين من مارس 2004، بايعت الحركة الدكتور الرنتيسي قائدًا لها في قطاع غزة، حتى ارتقى شهيدًا بغارة إسرائيلية في السابع عشر من أبريل 2004.

وفاء القسام

"هذا هو حوارنا مع الصهاينة" قالها الرنتيسي حاملًا بيده بندقية الكلاشنكوف وملوحًا بها للجماهير، في إشارة إلى المقاومة المسلحة للتحرير، في أول خطاب له بعد توليه قيادة حركة حماس، ليؤكد بذلك برنامج المقاومة الذي انتهجته حماس لتحرير فلسطين، وطُهر بندقيتها، ويُلخص بذلك حكاية ثائر سعى نحو الحرية لشعبه والانعتاق من الاحتلال.

وبعد عشرة أعوام على استشهاد قائد حماس في قطاع غزة عبد العزيز الرنتيسي أوفت كتائب القسام بوعده، وقصفت مدينة حيفا المحتلة بصواريخ محلية الصنع، كما أطلقت على الصاروخ الذي يصل مداه إلى 160 كيلومترا اسم "R160"  تيمنًا بالشهيد القائد عبد العزيز الرنتيسي.

(İLKHA