هذا الأمر لا ينطبق فقط على المحكومين، ولكن أيضاً على المحبوسين احتياطياً لمدد تجاوزت المدة القانونية المحددة بعامين على الأكثر، وذلك على الرغم من الضغوط الخارجية عليه في ملف "حقوق الإنسان" من قبل الولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية.

"الحبس الاحتياطي في مصر، أصبح وصمة عار في جبين النظام المصري، ووسيلة عقابية يستخدمها للتنكيل بمعارضيه، في انتهاك واضح لأحد أهم أبواب الدستور المصري، وهو باب الحقوق والحريات والواجبات العامة، والذي يضمن ويحافظ على حقوق الإنسان"، هكذا وصف أحد الحقوقيين المصريين مسألة التوسع في الحبس الاحتياطي في مصر.

وأضاف الحقوقي المصري في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الأخطر من الحبس الاحتياطي، هو الانتهاكات الواضحة داخل السجون سواء ضد المحكومين أو المحبوسين احتياطياً، والتي يدفع ثمنها كل من يقع عليه ظلم، ومعهم عائلاتهم وأسرهم، وهي الانتهاكات التي تضر ليس فقط بالمعتقلين وأسرهم، بل وحدة وتماسك المجتمع ككل، كما أنها تضر بسمعة البلد خارجياً".

وتابع الحقوقي أن "إضفاء الطابع القانوني على الانتهاكات عبر الإجراءات الشكلية، مثل سياسة تدوير المعتقلين، لا ينفي عنها صفة الانتهاكات ولا يسبغ عليها صفة المشروعية"، مؤكداً أن "إطالة فترات الحبس الاحتياطي، وسياسة الحرمان من العلاج داخل السجون، إلى حد الموت، يندرجان قانوناً تحت بند القتل خارج إطار القانون، وهو ما حدث سابقاً مع كثير من المسجونين مثل الرئيس السابق محمد مرسي وغيره، ولا يزال يحدث مع معتقلين آخرين".

اعتقالات مستمرة لمرضى

وفي 7 فبراير/شباط الحالي، قررت محكمة الجنايات (غرفة المشورة)، تجديد حبس المحامي محمد السيد عبد الفتاح، لمدة 45 يوماً على ذمة القضية رقم 627 لسنة 2021 حصر نيابة أمن الدولة العليا، على الرغم من معاناته المستمرة من سرطان الدم.

وألقت قوة أمنية القبض على عبد الفتاح، في منزله بمحافظة الإسكندرية في مطلع شهر مارس/آذار الماضي، وظل محتجزاً بشكل غير قانوني حتى عُرض أمام نيابة أمن الدولة العليا في 14 مارس 2021 على ذمة القضية الحالية، ووجهت له النيابة اتهامات بالانضمام إلى "جماعة إرهابية".

وعلى الرغم من أن عبد الفتاح يعاني من سرطان الدم، وقدم دفاعه ما يثبت ذلك للنيابة العامة ولهيئة محكمة الجنايات، إلا أن السلطات المصرية تواصل تجديد حبسه مع كل جلسة.

وفي 3 فبراير الحالي، أطلقت أسرة السجين السياسي المصري، جهاد عبد الغني، القابع في سجن الزقازيق العمومي منذ سبتمبر/أيلول 2015، استغاثة لكل من يهمه الأمر بالتدخل لإنقاذ حياته والسماح بخروجه لإجراء الجراحة المقررة له بعد إصابته بخلايا سرطانية داخل محبسه وتعنت إدارة السجن في السماح بخروجه بما يهدد سلامة حياته.

وأوضحت أسرته، أنه ظهرت أورام الفم والحلق أخيراً، وبعد خروجه إلى مستشفى الجامعة أثبتت التحاليل والأشعة إصابته بخلايا سرطانية واحتياجه لإجراء جراحة عاجلة لإزالتها قبل أن تنتشر في أماكن أخرى، لكن إدارة سجن الزقازيق العمومي تتعنت ولا تسمح بخروجه، من دون ذكر أسباب.

وناشدت أسرة المعتقل القابع في السجن قيد الحبس الاحتياطي للعام السابع على التوالي، كل من يهمه الأمر بالتحرك لرفع الظلم الواقع عليه والسماح بحصوله على حقه في العلاج وإجراء الجراحة اللازمة ولو على نفقتهم الخاصة حفاظا على حياته.

وقبل أسابيع، أطلقت ابنة المحامية هدى عبد المنعم، المقبوض عليها منذ أكثر من ثلاث سنوات، صرخة استغاثة للعالم الحر، بالتدخل للإفراج عن والدتها المريضة والتي تعاني الموت البطيء داخل محبسها الانفرادي بسجن القناطر، وترفض إدارة السجن علاجها.

وقالت ابنة عبد المنعم في استغاثتها: "أمي لا تقدر على الحركة وتمشي بعكاز، وكليتاها في وضع حرج وأصيبت أكثر من مرة بذبحة صدرية وأزمات قلبية، جراء احتجازها في ظروف غير آدمية، فهي ممنوعة من الزيارة منذ اعتقالها ثلاث سنين وثلاثة أشهر ولم يسمحوا لنا بالزيارة".

وتطول قائمة المرضى في السجون المصرية ممن يتم تمديد حبسهم على الرغم من الإهمال الطبي الذي يتعرضون له، وكان آخر أسماء تلك القائمة المحامي صلاح الإمام، الذي قررت محكمة جنايات القاهرة، قبل يومين، تجديد حبسه 45 يوماً، على ذمة التحقيقات في القضية رقم 910 لسنه 2021 حصر أمن الدولة العليا.

ويواجه في القضية، اتهامات بالانضمام لجماعة إثارية ونشر أخبار كاذبة. وحالة الإمام الصحية سيئة ويعاني من أمراض مزمنة مثل الضغط والسكر وضعف الإبصار، كما يعاني أيضا من مرض شلل الأطفال.

منظمات حقوقية مصرية ترى أن الإهمال الطبي في السجون بحق سجناء لهم خلفيات سياسية، قد يكون متعمداً في عدد كبير من الحالات، كنوع من التنكيل بهم، مستشهدة بما قاله محمد سلطان (سجين سياسي سابق) لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أنه في أثناء إضرابه عن الطعام ووجوده في مستشفى السجن، كان الحراس يشجعونه على قتل نفسه، بل إن أحد كبار مسؤولي السجن قال له: "ريّحنا وريّح نفسك من الصداع ده".

كما روى سلطان كيف أن سلطات السجن حبست معه شخصا في حالة صحية متدهورة تنذر بموته، وقد وافته المنية من دون أية محاولة لإسعافه، بل تم توظيف واقعة موته لترهيب سلطان من المصير الذي ينتظره.

الإهمال الطبي يرسّخ القتل البطيء

كما ترى منظمات أن الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز، يعد ترسيخاً لسياسة القتل البطيء التي تنتهجها السلطات المصرية تجاه خصومها، وذلك على الرغم من حملاتها الإعلامية وتأكيدها المستمر على احترام حقوق المحتجزين المختلفة داخل أماكن الاحتجاز المختلفة، وعلى رأسها الحق في تقديم الرعاية الصحية الملائمة، وهو الحق الذي يتم انتهاكه بشكل منهجي، خصوصاً داخل السجون المشددة، في ظل سياسة تعتيم تفاقمت مع انتشار فيروس كورونا.

لكن هذه الحملات التي تصدرها السلطات المصرية، باتت مفضوحة أمام العالم. ففي تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" نهاية عام 2021، وصفت مقطع فيديو أصدرته وزارة الداخليّة المصريّة في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021 للترويج لمجمع السجون الجديد بـ"فيديو لغسل الانتهاكات في السجون المصرية".

وذكرت "رايتس ووتش" في تقريرها "أصدرت وزارة الداخلية المصرية مقطع فيديو برّاقاً خضع لقدر كبير من الإنتاج السمعي والبصري، يعرض مجمعاً ضخماً للسجون من أحدث طراز. من المفترض أن يستبدل مركز الإصلاح والتأهيل بوادي النطرون، 12 سجناً تؤوي حاليا 25 في المائة من إجمالي السجناء في البلاد، المقدّر عددهم بـ114 ألفاً، منهم عشرات آلاف السجناء السياسيين القابعين في الحبس الاحتياطي بلا نهاية، أو الصادرة بحقهم أحكام جائرة".

وأضافت المنظمة أن "الفيديو الذي فيه صورة كاريكاتورية لحياة تأهيليّة شاعريّة في السجون المصرية، يحجب الواقع الكارثي لنظام السجون المزري في مصر الذي يعج بالانتهاكات، وهو محاولة فجّة للتغطية على الصدمة التي يعيشها آلاف السجناء وعائلاتهم".

وسبق أن كشفت تقارير حقوقية مصرية عن الصعوبة الشديدة التي يواجهها المرضى من السجناء في حال احتياجهم إلى العلاج داخل السجن، ورصدت تدني مستوى الخدمات الطبية داخل السجن بالإضافة إلى غياب آليات المراقبة والمتابعة لأداء أطباء السجن، والنقص الحاد في أنواع كثيرة من الأدوية الضرورية داخل مستشفى وعيادة السجن.

ومنذ عام 2013، أصبح الإهمال الطبي على رأس قائمة أسباب الوفاة في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية

ومنذ عام 2013، أصبح الإهمال الطبي على رأس قائمة أسباب الوفاة في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية، إذ يتسبب الإهمال وعدم توفير إدارة السجون المصرية الرعاية الطبية حتى الآن في موت المئات من السجناء.

وتصاعدت حالات الموت في أماكن الاحتجاز خلال السنوات السابقة نتيجة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة السجون، خصوصاً تجاه المحتجزين على خلفية قضايا سياسية ومن أبرزهم الرئيس الجمهورية مصر المنتخب السابق شهيد محمد مرسي.

وشهد عام 2021 وفاة 60 محتجزاً داخل السجون المصرية. كما شهد عام 2020، 73 حالة وفاة نتيجة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر.

بينما خلال السنوات السبع الماضية قضى نحو 774 محتجزاً داخل مقار الاحتجاز المصرية المختلفة نتيجة الإهمال الطبي، وتوفي 73 محتجزاً عام 2013، و166 محتجزاً عام 2014، و185 محتجزاً عام 2015، و121 محتجزاً عام 2016، و80 محتجزاً عام 2017، و36 محتجزاً عام 2018، و40 محتجزاً عام 2019.

(İLKHA)