انطلقت أعمال القمة الإفريقية الـ35 في العاصمة الإثيوبية أديس بابا، لمناقشة ملفات هامة “أمنية-اقتصادية- تنموية” تتعلق بالقارة السوداء على وجه الخصوص، وسيكون على رأسها الملف الحساس الذي يترقب الكثير حول العالم معرفة مصيره والمتمثل بـ “طرد صهاينة من عضوية الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب”.
هذا الملف أثار خلال الأيام الماضية الكثير من الجدل، ونتج عنه انقسامات حادة داخل الاتحاد الإفريقي بين مؤيد ومعارض لوجود الصهاينة، وكذلك مساعي دول عربية وعلى رأسها الجزائر المستميتة في قلب الطاولة على دولة الاحتلال، والتحرك برفقة تونس وجنوب افريقيا ومصر في كل جانب من أجل تحقيق حلم طرد الصهاينة من الاتحاد.
وتُعتبر الجزائر أكبر الرافضين لفكرة منح دولة الاحتلال صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، وقد نجحت مساعيها في إدراج ملف عضوية دولة الاحتلال في الاتحاد القارّي على رأس لائحة الملفات التي ستُناقَش في قمة الرؤساء الأفارقة.
وتعمل الجزائر بالتنسيق مع عدة دول أفريقية لتحقيق هدف سحب صفة مراقب، التي كانت حصلت عليها دولة الاحتلال بقرار إداري منفرد اتّخذه مسؤول في الاتحاد الأفريقي، وأبرز الدول المساندة للجزائر في هذا التمشي هي جنوب أفريقيا، إلى جانب كل من تونس ومصر وجزر القمر وجيبوتي وموريتانيا فضلًا عن ليبيا.
وسبق أن قدّمت سفارات هذه الدول العربية السبعة في أثيوبيا (أعضاء في الاتحاد الأفريقي)، في 3 أغسطس/ آب الماضي، مذكرة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي، أكّدت فيها اعتراضها على قراره قبول “دولة الاحتلال” عضوًا مراقبًا في الاتحاد.
يُذكر أنه في 22 يوليو/ تموز الماضي، أعلنت وزارة الخارجية دولة الاحتلال بشكل مفاجئ أن سفيرها لدى إثيوبيا، أدماسو إلالي، قدّمَ أوراق اعتماده عضوًا مراقبًا لدى الاتحاد الأفريقي، وعلى مدار سنوات بذلت "دولة الاحتلال" مساعي مكثَّفة لإقامة علاقات مع عدة دول أفريقية.
ويشار إلى أن مشروع قبول دولة الاحتلال كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، أحدث انقساماً بين دول معارضة وأخرى مؤيدة.
"منح صفة مراقب دولة الاحتلال في الاتحاد الإفريقي "خطأ مزدوج".
وعقد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، سلسلة لقاءات تشاورية مع عدد من نظرائه من الدول التي تدعم قرار سحب صفة مراقب من دولة الاحتلال، كجنوب أفريقيا، وأنغولا وليبيا وجيبوتي، استكمالاً للعريضة التي كانت وقّعتها سبع دول عربية عضوة في الاتحاد، وهي مصر والجزائر وجزر القمر وتونس وجيبوتي وموريتانيا وليبيا.
وتولي الجزائر لهذه القمة أهمية خاصة على صعيد تحقيق طرد إسرائيل من الاتحاد، لتثبيت صورة استعادة دورها الإقليمي ولعبها دوراً رئيساً في القضايا الكبرى.
ويقول وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في هذا الصدد، إن: "منح صفة مراقب دولة الاحتلال في الاتحاد الإفريقي "خطأ مزدوج"
وأوضح في تصريحات إذاعية، أن الخطأ هو منح صفة مراقب لدولة الاحتلال، دون إجراء مشاورات مع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بما فيها الجزائر واصفًا القرار بـ "السيئ"، ووكان من المفروض ألا يتخذ.
وشدد على أنه "لو جرت مشاورات مسبقة بشأن ذلك لم يكن القرار ليتخذ دون شك".
وذكر لعمامرة، أن الخطأ الثاني “هو ملاحظة أن هناك انقساما بين الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، بشأن هذه المسألة وتركها من دون تصحيح”.
فصائل فلسطينية دعت كذلك الدول العربية والأفريقية المشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي، المقررة إلى رفض عضوية الاحتلال الصهيوني في الاتحاد، وسحب صفة مراقب منه.
ودعت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في بيان، المجتمعين في القمة إلى رفض قبول عضوية الاحتلال الصهيوني، معتبرة أن "قبول عضوية" دولة الاحتلال للاتحاد الأفريقي، حتى كعضو مراقب، يعد انتهاكا صارخا للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان ومبادئ وقيم الاتحاد ونظامه الأساسي، الذي ينص على نبذ ومحاربة العنصرية، وإنهاء الاستعمار، وحق تقرير المصير للشعوب.
وحثت "حماس" من وصفتهم بـ”الأحرار في القارة الأفريقية لإعلان تضامنهم مع الشعب الفلسطيني
وحثت "حماس" من وصفتهم بـ”الأحرار في القارة الأفريقية لإعلان تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، والضغط لإفشال إعادة انضمام دولة الاحتلال العنصرية للاتحاد الأفريقي الذي نصت مبادؤه وأهدافه على محاربة الاستعمار والتمييز العنصري، فيما تمارس دولة الاحتلال إرهاب الدولة، وترتكب بشكل منهجي كل أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، وتمارس سياسة التطهير العرقي والتمييز العنصري، وذلك بشهادة العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، والتي كان آخرها تقرير منظمة العفو الدولية"
من جهتها، دعت حركة "فتح" الدول الأفريقية إلى أن تكون قمة الاتحاد المقبلة قمة لـ"طرد دولة الاحتلال وتكريس مبادئ التضامن بين الشعوب".
وقال المتحدث باسم الحركة في الجزائر يامن قدبح خلال تصريحات صحفية، إن "الحركة تبارك كل خطوة لفضح دولة الاحتلال، كما تأمل في أن تكلل قمة الاتحاد الأفريقي بسحب صفة مراقب من دولة الاحتلال"، مشيرا إلى أن الحركة "تبارك جهود الجزائر لإدراج ملف طرد إسرائيل من عضوية الاتحاد الأفريقي".
وترتبط دولة الاحتلال بمصالح مشتركة مع عدة دول أفريقية، ففضلًا عن التمكين وفكّ العزلة الدولية يسعى الاحتلال الصهيوني إلى منافسة الدول النافذة في القارة، للاستحواذ على قطعة أكبر من الاقتصاد في قارة معروفة باحتوائها على أكبر مخزون للثروات الطبيعية من معادن ونفط ومنتجات زراعية وغيرها، قُدِّرت بما يعادل 30% من الموارد الطبيعية في العالم.
كما يوجد لدولة الاحتلال مآرب أخرى في القارة الأفريقية، وهي لا تغفل عن بيع الأسلحة الهجومية والدفاعية التي تنتجها مصانعها الحربية وترفد بعائداتها ميزانيتها، كواحدة من أكبر مصدِّري السلاح إلى أفريقيا، الأمر الذي يقوّي حظوظ بعض الأنظمة في البقاء في السلطة أكثر.
أفلحَ الإسرائيليون طوال السنوات الماضية في التسويق لكيانهم على أن لديهم خبرات أمنية متطورة في مكافحة الإرهاب، وأنهم أنتجوا وسائل تكنولوجية متطورة للمراقبة والتنصُّت والجوسسة، إذ يقدم الكيان الإسرائيلي نفسه على أنه الخبير الأول في مجال الاستخبارات والتدريب العسكري.
وبناءً على ذلك، استغلَّ كيان الاحتلال الصهيوني حاجة العديد من القادة الأفارقة إلى التنصُّت والتجسُّس على معارضيهم والحصول على الوسائل التقنية الكفيلة بتحقيق ذلك الغرض، فهي تقدِّم للأنظمة برامج وتكنولوجيا التجسُّس، كما تقدِّم لهم الدعم اللوجستي الأمني من خلال توفير المعلومات الأمنية التي تُجمَع بواسطة الاستخبارات الإسرائيلية.
إلى جانب ذلك أنشأت دولة الاحتلال شركات مرتزقة، من أبرزها شركة "ليف دان" وشركة "الشبح الفضي" وشركة "بنيتل إنترناشيونال سكيوريتي"، تتولّى تدريب وتسليح مليشيات قَبَلية لحماية الرؤساء والشخصيات السياسية المهمة، ما جعل أمن العديد من الدول الأفريقية مرتهنًا لهذه الشركات الأمنية.
وأمام هذه التحديات والتطورات يبقى التساؤل الأبرز. هل تنجح الجزائر في طرد دولة الاحتلال؟ وكيف سيتم ذلك؟
(İLKHA)