تحتفل الجزائر، اليوم الاثنين، بالذكرى الـ67 لاندلاع ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي دامت سبعة أعوام (1954-1962)، أجبرت الاحتلال على الاعتراف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره.

وكان الثمن باهظاً، مليون ونصف المليون قتلى في ظرف سبع سنوات فقط، تضاف إلى قوافل ملايين الضَحِيَّة الذين دافعوا عن أرضهم خلال 132 سنة قضاها الاحتلال الفرنسي على أرض الجزائر، قدرتهم دراسات تاريخية بين 8 إلى 12 مليون ضحية.

وحققت هذه الثورة النصر للجزائريين، ومكنتهم من استعادة أرضهم، وباتت مصدر إلهام لشعوب أخرى عاشت تحت نير الاستعمار سنوات الستينيات والسبعينيات.

ففي ليلة الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 1954، أطلقت أول رصاصة من محافظة باتنة الواقعة شرقي الجزائر والمعروفة باسم "عاصمة الأوراس"، إيذاناً باندلاع ثورة التحرير. تحولت جبال الأوراس الشامخة إلى مهد للثورة الجزائرية، ومعقل لثوارها المعروفين في أدبيات التاريخ والسياسة بـ"المجاهدين"، وسرعان ما انتقلت شرارة الثورة إلى باقي محافظات البلاد.

ورغم مرور 67 عاماً، إلا أن ثورة الفاتح نوفمبر/تشرين الثاني، بقيت في صدارة أكثر المسائل التي يجتمع حولها الجزائريون باختلاف توجهاتهم ومناطقهم، ومصدراً للفخر والاعتزاز بتاريخ مشرف في الدفاع عن الأرض والولاء للوطن دون غيره.

ولم تشهد البشرية في القرنين التاسع عشر والعشرين إبادة جماعية لشعب أعزل كالتي وثقها العالم مع الاستعمار الفرنسي في الجزائر، إذ أباد في ظرف 124 سنة (1830-1954) بين 8 ملايين إلى 12 مليون جزائري، وفق شهادات مؤرخين فرنسيين وقادة في ثورة التحرير، اصطلح على تسميتها بـ"المحرقة الفرنسية في الجزائر".

وطوال هذه الفترة، خاض الجزائريون مقاومات شعبية مسلحة متفرقة ومنعزلة ضد المستعمر الفرنسي، بدأت مع الأمير عبد القادر إلى المقراني والحداد ولالا فاطمة نسومر، ورغم شراستها إلا أن الاستعمار الفرنسي تمكن من وأدها.

غير أنها مكنت من خلق البوادر الأولى للنضال السياسي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وتشكلت معها الحركة الوطنية من أحزاب سياسية باتجاهات مختلفة، كان مصالي الحاج أبرز قادتها، وتبنى الطرح المنادي بضرورة استقلال الجزائر عن فرنسا من 1927 إلى 1953.

مصطلح "استقلال الجزائر" لم يكن في قاموس الاستعمار الفرنسي، فقابل هذا المسعى بإجراء واحد وهو حل جميع الأحزاب التي وُلدت لتحقيق هذا الهدف، وهي نجم شمال أفريقيا، حزب الشعب الجزائري وجناحه العسكري المتمثل في المنظمة الخاصة، وحركة انتصار الحريات.

شكلت مجازر الثامن أيار/ مايو سنة 1945 التي أباد فيها الاستعمار أكثر من 45 ألف جزائري خرجوا مطالبين فرنسا بالوفاء بوعدها منح الجزائر استقلالها، منعرجاً حاسماً في تاريخ الجزائر ومسار الحركة الوطنية في بداية القطيعة النهائية مع النظام الاستعماري، ومع أساليب النضال القديمة وظهر جيل يؤمن بالثورة المسلحة.

صب الخلاف الداخلي في حركة انتصار الحريات في صالح التيار المنادي بتبني الكفاح المسلح، فتشكلت معه "مجموعة 22" في 23 حزيران/ يونيو 1954 وكلفت مجموعة مكونة من تسعة مناضلين لإعداد الترتيبات النهائية لاندلاع ثورة التحرير التي حُددت في الساعة الصفر من ليلة الفاتح نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954.

وأُعلن في اجتماع مجموعة 22 ميلاد حزب جبهة التحرير الوطني لقيادة الثورة الجزائرية بجناحين سياسي وعسكري.

بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019، قررت السلطات الجزائرية إعادة الاعتبار لبيان الأول نوفمبر/تشرين الثاني 1954 باعتباره مرجعية الدولة الجزائرية داخلياً وخارجياً.

وورد في ديباجة الدستور الجزائري بأن "الأول نوفمبر 1954 كان نقطة تحول فاصلة في تقرير مصير الجزائر وتتويجاً عظيماً لمقاومة ضروس، واجهت بها مختلف الاعتداءات على ثقافتها وقيمها، والمكونات الأساسية لهويتها، وهي الإسلام والعروبة والأمازيغية، التي تعمل الدولة دوماً لترقية وتطوير كل واحدة منها، وتمتد جذور نضالها اليوم في شتى الميادين في ماضي أمتها المجيد".

وعشية اندلاع ثورة التحرير أصدرت جبهة التحرير الوطني بيان 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 الموجه للشعب الجزائري والحكومة الفرنسية، وكان أول وثيقة للثورة الجزائرية شكلت الخطوط العريضة للحزب، وتضمنت مجموعة من الأهداف الداخلية والخارجية.

وتضمن: إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية، واحترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.

وكذا التطهير السياسي بإعادة الحركة الوطنية إلى نهجها الحقيقي والقضاء على جميع مخلفات الفساد وروح الإصلاح التي كانت عاملاً مهماً في تخلفنا الحالي، وتجميع وتنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية النظام الاستعماري.

كما حدد أهدافاً خارجية وهي: تدويل القضية الجزائرية، وتحقيق وحدة شمال أفريقيا في داخل إطارها الطبيعي العربي والإسلامي.

وتوجه البيان الأول للثورة الجزائرية أيضا بوثيقة إلى السلطات الفرنسية، جاء فيها: "وفي الأخير، وتحاشياً للتأويلات الخاطئة وللتدليل على رغبتنا الحقيقة في السلم، وتحديدا للخسائر البشرية وإراقة الدماء، فقد أعددنا للسلطات الفرنسية وثيقة مشرفة للمناقشة، إذا كانت هذه السلطات تحدوها النية الطيبة، وتعترف نهائياً للشعوب التي تستعمرها بحقها في تقرير مصيرها بنفسها".

وطالب البيان بـ"الاعتراف بالجنسية الجزائرية بطريقة علنية ورسمية، ملغية بذلك كل الأقاويل والقرارات والقوانين التي تجعل من الجزائر أرضاً فرنسية رغم التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات للشعب الجزائري".

و"فتح مفاوضات مع الممثلين المفاوضين من طرف الشعب الجزائري على أسس الاعتراف بالسيادة الجزائرية وحدة لا تتجزأ"، بالإضافة إلى "خلق جو من الثقة وذلك بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ورفع الإجراءات الخاصة وإيقاف كل مطاردة ضد القوات المكافحة".

وضمن وثيقة الثورة الجزائرية المصالح الفرنسية، وورد فيها: "في المقابل، فإن المصالح الفرنسية، ثقافية كانت أو اقتصادية والمحصل عليها بنزاهة، ستحترم وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص والعائلات".

و"جميع الفرنسيين الذين يرغبون في البقاء بالجزائر يكون لهم الاختيار بين جنسيتهم الأصلية ويعتبرون بذلك كأجانب تجاه القوانين السارية أو يختارون الجنسية الجزائرية، وفي هذه الحالة يعتبرون كجزائريين بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات".

كما "تحدد الروابط بين فرنسا والجزائر وتكون موضوع اتفاق بين القوتين الاثنتين على أساس المساواة والاحترام المتبادل" (İLKHA)