ألقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كلمة في ملتقى صلاح الدين الأيوبي الفكري الدولي الثالث باستضافة معهد صلاح الدين الأيوبي عبر التواصل الإجتماع ZOOM بسبب جائحة كورونا.

وقال خالد مشعل في الملتقى: "يعظم هذا الملتقى بدورته الثالثة حين يأتي في ظل ظروف ومخاطر شديدة تهدد القدس والمسجد الآقصى المبارك، وخاصة بعد معركة سيف القدس التي انتصرت فيها المقاومة الفلسطينية بأجنحتها العسكرية وبقيادة كتائب القسام لقضية القدس للمسجد الآقصى، للمرابطين وللمرابطات، لأحياء القدس - باب العمود وحي الشيخ جراح - لأهنا، للأرض، للوطن، للمقدسات.

وإن شاء الله نحن نسير على خطة صلاح الدين، واستحضار سيرته وتجربته ناجحة. وانشاء الله يعيننا على نبذ خطة واسراع بمشوارنا نحو الحرية، والتحرير، والعودة بإذن الله تعالى "

وهذا هو النَّص الكامل للكلمة خالد مشعل:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلام على حبيبنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا سبحان الله بكرة وأصيلا.

حياكم الله إخواني الكرام المشاركين لهذه الملتقى الجميل نستذكر سيرة صلاح الدين الأيوبي رحمه الله الذي فتح بيت المقدس وحرر الآقصى وانتصر في حطين وأسس لطرد الصلبيين بغير عودة من بلاد الشام، قلبها فلسطين.

جزاهم الله خيرا في هذا الملتقى لإخوة في حزب الهدى على رأسهم أستاذ زكريا وأستاذ محمد أشين وكذلك لك أخي سعد. وأنت في هذا المعهد الذي تشكل على موضع ملتقى وصلاح الدين الأيوبي فجزاكم الله خيرا. ويعظم هذا الملتقى بدورته الثالثة حين يأتي في ظل ظروف ومخاطر شديدة تهدد القدس والمسجد الآقصى المبارك، وخاص بعد معركة سيف القدس التي انتصرت فيها المقاومة الفلسطينية بأجنحتها العسكرية وبقيادة كتائب القسام لقضية القدس للمسجد الآقصى، للمرابطين وللمرابطات، لأحياء القدس - باب العمود وحي الشيخ جراح - لأهنا، للأرض، للوطن، للمقدسات. وإن شاء الله نحن نسير على خطة صلاح الدين، واستحضار سيرته وتجربته ناجحة. وانشاء الله يعيننا على نبذ خطة واسراع بمشوارنا نحو الحرية، والتحرير، والعودة بإذن الله تعالى.

في هذا الملتقى وفي ذكرى الفتح الذي كان عام 1187 م كما يعلم جميع وبعد تطهير القدس وقد اُحتل آنذاك 89 عاما وانشاء الله لا يطل زمان حتى نحرر الآقصى ونحرر القدس كما دخلناه وحررناه أول مرة يعود على سيرتنا الأولى في رفعة رأسنا عبر الجهاد والمقاومة.

الآن العبرة ليس بالحديث عن الذكريات "لقد كانت في قصصهم العبرة" فما هي العبرة في ملتقى صلاح الدين؟ ومن تجربة صلاح الدين في تحرير القدس والآقصى؟ السوق جملة من العبر ودروس لنستلهمها في واقعنا.

العبرة الأولى أن الجهاد والمقاومة هو طريق الحقيقي لتحرير واستعادة أوطان ومقدسات خاصة إذا كان الوطن فلسطين وكانت المقدسات دُرتها الآقصى. نعم هو الجهاد والمقاومة وهكذا صار صلاح الدين ولم يحرر الآقصى على يد صلاح الدين بالأُمنيات. ولا فاروق عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس واستلم مفاتحها بالأمنيات ولكن بجيوش الفاتحين.

فالجهاد والمقاومة له متطلبات.

أولاً بحشد القوة، صلاح الدين أبدع بحشد قوات المسلمين من مختلف الأمصار والأقطار وأرسل رسله ومبعوثه حتى حشدوا كل قوات العظيمة. ثم سخر الإمكانات كلها. خاصة الأموال والسلاح وجميع مدخرات الدولة التي كان على رأسها صلاح الدين. فالأمة تريد أن تستعيد القدس، ينبغي أن تدخر أموالها ومقدراتها وسلاحها من أجل هذه المعركة.

وكذلك قام بالتعبئة فالقوات والسلاح يحتاج إلى دعمها روحية وإيمانية عظيمة وبالتالي القوات مع سلاحها وعدتها وإمكاناتها تحتاج إلى تحريض والتعبئة وحريض المؤمنين وحشد الطاقة المعنوية والدينية والروحية عند المقاتلين هذه العبرة الأولى. واليوم إن شاء الله مجاهدون على أرض فلسطين هم يسيرون على هذا الطريق ونحتاج أن نحشد معنا أمتنا شريكة معنا في النصر والتحرير بإذن الله.

العبرة الثانية توحيد الأمة من أجل معركة الكبرى. الأمة فيها خير عظيم لكن حتى تحشد الأمة، حتى تجمعها تحتاج إلى قضية كبيرة. وما أكبر من قضية القدس وقضية الآقصى ومواجهة الصهاينة، هذا المشروع الذي يهدد الأمة، فتعبئة الأمة وحشدها وتوحدها. صلاح الدين أبدع في مرحلة دقيقة، كانت الأمة فيها ممزقة كانت في دويلات وحكام مبعثرون في جغرافيا الأمة. جاء صلاح الدين فوحد الأمة وجمع جناحيها آنذاك الممثلين بمصر والشام وبعمق العراق حيث كان الخلافة القائمة آنذاك.

نعم هكذا كان هو طريق التوحيد وجمع أطراف الأمة فالأمة ممزق لا تنتصر، أمة موحدة تنتصر وتهابوها الأمم. بينما التمزيق والخلاف والفرقة يذهب ريحنا ويهري الناس وأعدائنا بنا. وهذا يتطلب جهدا كبيرا وصبرا وقد كان صلاح الدين كذلك وصلاح الدين أيضا أدرك جغرافيا سياسية بمصطلحها الحديث.

 من يقود صراع ضد مشروع الصهيوني اليوم ينبغي أن يدرك دلالة جغرافيا سياسية ومواقع القوة في الأمة وكيف تتحرك في هذه الجغرافيا بما يعظم قوتك ويضيق على عدوك ولا يسمح له بالاختراقات سواء عبر التطبيع أو العلاقات أو بالعبث الأمة.

العبرة الثالثة والإحياء والنهوض الروحي والفكري والتنظيمي. فالجهاد ثمرة لبيئة معبئة، بيئة فيها طاقة الروحية. أمة الناهضة فيها إحياء فكري والديني والسياسي والتنظيمي تستطيعوا بعد ذلك أن تحمل السلاح وأن تنتصر ولذلك كما قال رب العالمين في سورة التوبة: إن الله اشترى من المؤمنين أنفوسهم وأموالهم بأن لهم الجنة... إلى آخري آية. ثم قال التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون... إلى الآخر الآيات الكريمة. ولذلك جاء قادة الفتح وعلى رأسهم صلاح الدين ليختم مرحلة استعادة القدس والآقصى بعد عقود طويلة من الإحياء. بدأت في بغداد في ربوع الأمة وتبثرة في دور العلماء من الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين ثم مدرس نظامية لنظام الملك وكان وجه روحي والعلمي والوجه النظامي هذه مدارس الذي خرّجت مجاهدين. وجاء العلماء، من بعد قاض الفاضل وكل من صاحب صلاح الدين وصاحب قادة من قبل فالعلماء والمدارس والإحياء العلمي والروحي والفكري واستعادة الأمة لعافيتها حتى تكون بهيئة لمواجهة الأعداء والاستعادة ارضها ومقدساتها. وهذا دور العلماء وأيضا دور القادة فصلاح الدين هو ابن هذه المدرسة، مدرسة الإحياء ثم عززها وكان وفيا لها وقرب إليه العلماء هكذا إذن طريق النصر والتحرير.

العبرة الرابعة هو تراكم وتكامل الأدوار التاريخية. فصلاح الدين ليس منبثا عن جهود سابقة منذ عماد الدين زنكي وابنه نورالدين محمود الشهيد. وثم صلاح الدين كل قائد يبني على من سبق تتراكم الجهود وتتعاظم ويستفيد كل مِمَن سبق ويزيد ويضيف لا أن نبدأ من صفر أن ندين ظهرنا لتجارب الآخرين.

 إن مرحلة التي نحن فيها اليوم على أرض فلسطين بكل عطائها ثمر لمن سبقنا. ودليل حتى في رمزية اليوم كتائبنا مظفر في فلسطين. عز الدين القسام هي امتداد لعهد قبل مئة عام. وعز الدين قسام في عشرينيات قرن ماض حين أطلق صرخته مدوية. وسقط شهيدا عام 1935 في جبال يعبد قرب جنين فتاريخ يعيد نفسه وتراكم ونحن أمة متراحمة يحفظ كل منا حق من سبق يحترمه ويدعو له ويبني عليه وهكذا يبارك الله سعي الأمة

العبرة الخامسة هو دور القائد، دور القادة ودور القائد الأول دور عظيم. لا معركة بلا قائد ولا مشروع بلا قائد. اليوم الأمة تبحث عن قائد والقيادات. فصلاح الدين رحمه الله كان يملك رؤيا ويضع هدف الكبير أن يستعيد القدس والآقصى وأن يهزم صليبين كما اليوم نضع رؤيتنا وهدفنا بتحرير القدس والآقصى والهزمة الصهاينة. القائد هو الذي يملك القرار. القائد الذي يكون قدوة لإخوانه يملك الإخلاص وهو الذي يقوم بتحريض وتعبئة ويكون متقدما في صف. القائد هو الذي يدير الصراع بكل مفرداتها وتعقيداتها. كما يفعل خالد بن وليد صعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة.

الصراع ليس سهلا، الدعاء والإيمان بالله واليقين بنصر الله كل ذلك أساس. ولكن الإدارة تفصليه لصراع كيف تحشوا، وكيف تخطط، وكيف تناور، وكيف تملك الاستخبارات والمعلومات. وكان صلاح الدين مبدعا وهو يخترق أعدائه ويجمع عنهم المعلومات وكان يدرك تحولات في أوروبا وصراع بين ملوك أوروبا بتلك المرحلة. ويعمل على تفكيك جبهة خصم. صلاح الدين كان يدير الصراع بذكاء ويعرف متى يتقدم ومتى يتراجع ومتى يهاجم ومتى يدافع متى يصالح متى يعقد معاهدات، وكيف يسخر سياسة لصالح الهدف الكبير. لا أن تنتقص سياسة بمبادئنا وثوابتنا وحقوقنا وأهداف الكبيرة.

والجهاد والمقاومة هو له الهدف كبير، هدف سياسة بتحرير والعودة. الضهى كيف يمارس؟ أيضا عبقرية صلاح الدين كما قال المؤرخين قالو كان موهبا في كسب قلوب مَن حوله. وفي كسب أكاد بالرجال الدولة حوله. لم يقود أصحابه بالخوف، بل قادهم بالمحبة وكسبهم وإنفاق عليهم، بتواضع والتبسط معهم. وقال المؤرخون عبقرية صلاح الدين بعد توفيق الله في بساطته، في قربه من الناس، وهكذا أجرى الله خيرا.

وأيضا كان حوله رجال أقوياء لا قادة بدون رجال الأقوياء كما قال المؤرخون إبن شداد واصفهاني والقاضي الفاضل وكما قال صلاح الدين عن نفسه إنه لم يفتح القدس بسيفه إنما فتحها بقلم قاض فاضل. هذا الوفي، وهذا التعبير، هذا الفكر عميق، وهذا التواضع كذلك.

العبرة سادسة والأخيرة والبعد القيم والأخلاق في شخصية صلاح الدين. هي عبرة تتعلق بسلوك المسلمين، البعد القيم والأخلاق والحضاري في شخصية الإسلامية حتى وهي في قلب معارك. كما كان وصية صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وقادة الأمة للجيوش والفاتحين.

فنحن الأمة الأخلاق والقيم ومعركتنا مع الأعداء لا تخرجنا عن مبادئنا وقيمنا وانسانيتنا مع ضعفاء ومع شجر والحجر وحتى مع جرحى الأعداء. وهكذا صلاح الدين ظهر بصفتين عظيمتين يعترف به القاصي والداني والأعداء قبل الأصدقاء قوة صلاح الدين وصبره وعبقريته في قيادة وكذلك رحمة حتى بأعدائه مقابل سفك الدماء لسبعين ألف شهيد، اريق دمائهم عندما دخل صلبين القدس والمسجد الآقصى المبارك والبلدة القديمة. فشتان بين فاتحين وبين المدمرين لذلك نحن نتمسك بقيمنا ومبادئنا وأخلاقنا وإنسانيتنا وبها ننصر.

وأختم إخوان الأعزاء بوصية هذا تدل على شخصية صلاح الدين. وصية صلاح الدين الأيوبي لإبنه ظاهر المقرب إليه من أبنائه وهو على فراش الموت في رمضان عام 1192 ماذا قال له أوصاه بالتقوى فإنها رأس كل خير وحذره من الدماء فإن الدم لا ينام وأوصاه بحفظ قلوب رعية وقلوب أكابر الدولة فقال له فما بلغت ما بلغت إلا بمدارات الناس القيادة رحمة ليست قسوة وأوصاه ألا يحقد على أحد فإن الموت لا يبق أحدا ثم ختم وصيته بقوله وحذر ما بينك وبين الناس فإنه لا يغفر إلا برضاهم وما بينك وبين الله يغفر الله بتوبتك إليه فإنه كريم فإن الله جواد كريم

هذه بعد العبر والدروس نحن نستحذرها، ونتشربها بقلوبنا وعقولنا، ونعقصها في سلوكنا تخطيطا وتدبيرا، وأداء على الأرض وإن شاء الله كما نصر الله أسفالنا ينصر الله جيل اليوم جيل النصر والتحرير على هوداهم. فبهداهم نقتدي فبهداهم ونسير على هذا طريق الوحيد الذي يصلونا إلى النصر والتحرير والعودة بإذن الله وإن شاء الله جميعا نكون شركاء في هذا المسيرة بوركتم وسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (İLKHA)