تصادف اليوم ذكرى 96 لإعدام الشيخ سعيد البالوي و47 أصدقائه في ميدان داغ قابي (ميدان شيخ سعيد) سعيد سعيد في محافظة دياربكر من قبل النظام الظالم في 29 يونيو 1925 وقال الشيخ أمام حبل المشنقة: " إن الحياة الطبيعية تقترب من نهايتها ولم آسف قط عندما أضحي بنفسي في سبيل الله، إننا مسرورون لأن أحفادنا سوف لن يخجلوا منا أمام الأعداء"

من هو الشيخ سعيد؟

سعيد محمود علي البالوي المولود في عام 1865م في مدينة بالو التابعة لمحافظة العزيز بتركيا ويعد من أبرز القادة الدينيين عند الأكراد.

تعليمه

تلقى الشيخ سعيد تعليمه الأولي على يد والده الشيخ محمود علي البالوي وحفظ القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة في سن مبكرة، ثم درس الفقه والشريعة الإسلامية، وبعد أن أنهى دراسته، أصبح عالمًا مرشدًا للطريقة في مدينة بالو وكان من حقه منح شهادات الاجازة والتدريس لطلاب العلم الذين يكملون دراستهم على يديه، وبعد وفاة والده انتقلت إليه الزعامة الدينية، وأصبح مرشدًا للطريقة في بالو، وقد بلغ عدد مريديه وأتباعه حوالي 12 ألفً، وكان أديباً وخطيباً يجيد مختلف اللغات، منها التركية والعربية والفارسية، وتخرج على يديه العشرات من الشباب الكردي؛ وكان من المشايخ المعرفين في كردستان، وكان في نيته إنشاء جامعة دينية في محافظة وان لكن الزعماء الدينيين والحكام الأتراك وقفوا ضد محاولته هذه.

نشاطه السياسي

 وبدأ الشيخ سعيد النشاط السياسي منذ تأسيس الجمعيات والمنظمات الكردية بين أعوام 1908م – 1923م وكانت تربطه صلات وثيقة مع العائلات  في منطقة كردستان مثل عائلة بدرخان بك وعائلة النهري، بالإضافة إلى الزعماء الكرد المعاصرين له وعندما تم اعتقال بعض قادة جمعية "آذادي "عام 1924م، تم اختياره رئيسًا للجمعية التي عقدت مؤتمرًا في نوفمبر عام 1924م في حلب حضره علي رزا ابن الشيخ سعيد، ممثلًا عن والده، إلى جانب معظم القادة الأكراد في تركيا وسوريا وقرر المشاركون القيام بانتفاضة شاملة لنزع الحقوق القومية الكردية، على أن تبدأ في يوم العيد القومي الكردي "نوروز" 21مارس 1925م.

الشيخ يقود الانتفاضة الإسلامية بين الأكراد

 أثناء قيام الشيخ سعيد بجولاته للحشد لهذه الانتفاضة وحل الخلافات بين العشائر الكردية وإزالة العداوات والدعوة إلى الوحدة والاتفاق، وصل الشيخ يوم 5 فبراير إلى قرية بيران برفقة 100 فارس، وتصادف وصوله مع وصول مفرزة تركية بقيادة بقيادة الملازم أول حسني أفندي جاءت لاعتقال بعض الشباب، وعندما طلب الشيخ سعيد من قائد المفرزة احترام وجوده واعتقال من يشاء بعد أن يغادر القرية رفض الضابط التركي ذلك، فوقع اصطدام مسلح بين قوات المفرزة ورجال الشيخ قتل فيها بعض الجنود الأتراك، وتم اعتقال الآخرين وفي 8 فبراير وعندما انتشر خبر تلك الحادثة ظن القادة الأكراد بأن الشيخ أعلن الانتفاضة الاسلامية، وهاجموا القوات التركية وفي 11 فبراير قام طاهر بيران، الشقيق الثاني للشيخ سعيد، بالاستيلاء على البريد، من ليجه إلى قرية سيردي، ووصل على رأس وحدة تضم 200 مقاتل إلى كينجو، وسلم الشيخ سعيد الوثائق والأموال، التي استولى عليها وأصبحت هذه الأحداث هي البداية الحقيقية لحركة الشيخ سعيد بيران، وبهذا بدأت الانتفاضة قبل الموعد، الذي كان محدداً لها بحوالي 41 يوماً.

 وفي 14 فبراير سيطر الأكراد على محافظة كينجو سيطرة تامة، ووقع المحافظ والموظفون الأتراك في الأسر، كما تولى فقه حسن، رئيس عشيرة مودان، محافظاً جديداً في كينجو، وتم إصدار قانون استثنائي، يحمل توقيع الشيخ سعيد، يقضي بأن تكون كينجو عاصمة مؤقتة لكردستان، وانتقلت السلطة الدينية والمدنية إلى الشيخ سعيد، وأرسلت جميع الضرائب والأسرى إلى كينجو، كما أصدر الأكراد نداء أعلنوا فيه إلغاء ضريبة العُشر الصعبة، ودعوا السكان، بدلاً من ذلك، إلى تقديم المؤن للثوار، وفي 22 فبراير أعلن مجلس الوزراء التركي في جلسة طارئة حالة الطوارئ في منطقة الانتفاضة، ووضعها تحت الأحكام العرفية، لمدة شهر كامل، حتى يستطيع الجيش التركي مقاومة الأكراد المسلمين وأصدر مجلس العموم في البرلمان التركي في 25 فبراير تعديلًا للمادة من قانون العقوبات عن خيانة الوطن، والذي سن في 15 أبريل 1923، (القانون 556) إلى النص التالي: "منع تكوين المنظمات السياسية على أُسس دينية، وكذلك استخدام الدين في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، واعتبار الأشخاص القائمين بمثل هذه الأعمال أو المنتسبين إلى مثل هذه التنظيمات خونة".

 وفي 28 فبراير تقدمت القوات الكردية المسلمة واستولت على مدن ليجة وخاني، وانضم إليها قوات صالح بك، وفصائل حاجي حسن وعمر فارو، وعشائر مستيان وبوتاني في جنوبي (جابكجور)، وكذلك انضم لهم فصيلة كبيرة تابعة للشيخ شمس الدين في ضواحي ديار بكر، وبلغ عدد الفصائل الكردية نحو 20 ألف مقاتل، مما أربك الحكومة التركية، وأثار الذعر بين قياداتها.

 وفي 2 مارس أمر الشيخ سعيد بشن هجوم على ديار بكر من جميع الجهات، لكن القوات التركية المتفوقة عدداً وعتاداً، سيطرت على الموقف، فأصدر الشيخ سعيد أوامره بالانسحاب والتراجع نحو "درخاني" وفي أواخر مارس وأول أبريل استطاعت القوات الحكومية شن هجوم على الأكراد من الشمال والجنوب والجنوب الشرقي، وفي 6 أبريل اضطر الشيخ- يرافقه 300 فارس- إلى التراجع نحو سالهان، وفي أواسط أبريل تمت محاصرة القوات الرئيسية الكردية، وتدميرها في وادي كينجو، وأصدرت القوات التركية بياناً، وعدت فيه بمنح مكافأة، قدرها ألف ليرة ذهبية، لمن يلقي القبض على الشيخ سعيد، و700 ليرة ذهبية، لمن يأتي بجثته، حتى بعد وفاته وتم إلقاء القبض على قادة الكرد، وعلى رأسهم الشيخ سعيد، والشيخ علي، والشيخ غالب، ورشيد آغا، ومحمد آغا، وتيمور آغا.

 ثورة الشيخ إسلامية أم كردية؟

نشرت وثيقة لجلسة سرية لمجلس أركان الحرب التركي تبيّن فيها من خلال الوثائق وشهادات الشهود بأن ثورة الشيخ سعيد كانت ثورة إسلامية بحتة تهدف إلى إعادة الخلافة وتطبيق الشريعة، وعُمّم ذلك القرار المرقم (1845) على جميع الإدارات الحكومية المعنية، ولكن حاولت الحكومة الكمالية تشويه الحركة ووصمها بأنها قومية، فعمدت إلى محاكمة قادة الحركة القومية مع الشيخ سعيد ورفاقه، وذلك لإثارة النعرة الطورانية عند القوميين الأتراك، ولعزل الثورة عن المسلمين في تركيا وبقية العالم.

إضافة إلى هذا فقد اتهمت الحكومة الكمالية الثورة بالعلاقة بالجهات الأجنبية مع أن الثابت أن الإنجليز والفرنسيين ساعدوا الحكومة الكمالية على قمع الثورة؛ فقد استعملت الحكومة الكمالية المدفعيات الإنجليزية في قصف مواقع الثوار، كما طلبت السلطات التركية في بداية شهر مارس 1925م من الحكومة الفرنسية السماح لها بمرور أربعة قطارات يومياً على الخط الحديدي بغداد؛ من أجل نقل من20.000 حتى 25.000 رجل مع عتادهم إلى ساحة العمليات، وفي نهاية مايو 1925م طلبت الحكومة التركية مرة أخرى من الحكومة الفرنسية السماح لها بمرور تعزيزات عبر سورية على الخط الحديدي بغداد، ورحبت بذلك فرنسا.

وممّا يؤكد أن الثورة كانت إسلامية من أجل الخلافة أن مجلس العموم في البرلمان التركي، قام في 25 فبراير 1925 بتعديل المادة الأولى  من قانون العقوبات عن خيانة الوطن الذي سن في 15 أبريل 1923، (القانون 556) إلى النص التالي: "منع تكوين المنظمات السياسية على أُسس دينية، وكذلك استخدام الدين في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، واعتبار الأشخاص القائمين بمثل هذه الأعمال أو المنتسبين إلى مثل هذه التنظيمات خونة". فهذا يدلّ على أنّ الحكومة الكمالية نفسها تعترف بإسلامية الثورة لذلك عدّلت القانون بما يتناسب والظرف.

ومما يقطع أيضًا بأن الثورة كانت ثورة من أجل إعادة الخلافة وتطبيق الشريعة ما جاء في وثائق محاكمة الشيخ سعيد. فقد اتّهمه القاضي بأنّ دوافع تحركه قومية، فقال: "يشهد اللَّه أن الثورة لم تكن من صنع السياسيين الكرد ولا من تدخل الأجانب".

وعندما سئل: هل تريد أن تصبح خليفة؟

أجاب: إن وجود الخليفة ضمانة أساسية لتطبيق قواعد الدين وإن المسألة مطلوبة شرعاً.

وسئل: هل كان إعلانكم للعصيان يعني أنكم وصلتم إلى قناعة تامة بأن الشريعة غير مطبقة في البلد؟

أجاب: إن الكتاب يؤكد على الخروج على الحاكم في الظروف التي أشرنا إليها أعلاه، وتطبيق الشريعة يعني منع القتل والزنا والمسكرات وبحمد اللَّه كلنا مسلمون، ولا يجب التمييز بين الكرد والترك، وحسب اعتقادنا أن هذه الأمور حالياً متروكة، إننا انطلقنا من هذه القناعة وعلى أساس القرآن الكريم.

 ولكن تبقى الحقيقة الواضحة ان هذه الانتفاضة قام بها شيخ كردي في المناطق الكردية ضد حكومة تركية، وأن خسائر الاكرد المسلمة في هذه الانتفاضة تعد الأكبر حيث تم تدمير 900 منزل وحرق وازالة 210 قرية، وبلغ عدد القتلى منهم ما يقارب 15 ألفًا.

 إعدامه

 في 15 أبريل تم اعتقاله مع عدد من قادة الانتفاضة الإسلامية وفي 29 مايو بدأت محاكمته واستمرت شهراً كاملاً، وكان معه في قفص الاتهام، الشيخ عبد الله، والشيخ إسماعيل، والشيخ عبد اللطيف، والرائد قاسم إسماعيل، وحاجي خالد عبد الحميد، والشركسي رشيد، وعدد آخر من قادة الانتفاضة، وفي 29 يونيو صدر الحكم بالإعدام شنقاً عليه ونفذ الحكم في 30 يونيو 1925 في ميدان داغ قابي (ميدان الشيخ سعيد)  بمحافظة ديار بكر، وأمام حبل المشنقة قال الشيخ: "إن الحياة الطبيعية تقترب من نهايتها ولم آسف قط عندما أضحي بنفسي في سبيل الله، إننا مسرورون لأن أحفادنا سوف لن يخجلوا منا أمام الأعداء". (İLKHA)