بحث مجلس الأمن الأوضاع في غزة والقدس وتداعيات الحرب الأخيرة في القطاع، يوم امس الخميس، في حين أطلقت الأمم المتحدة مناشدة لجمع 95 مليون دولار لمساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية خلال الشهور الثلاثة المقبلة.
وقدّم المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، خلال الجلسة، إحاطة عبر تقنية الفيديو، قال فيها إن التحديات في غزة تتطلب حلولاً سياسية.
وقال: "في حين ننظر للمضي قدما، لا يمكن أن يكون نهجنا هو الاستمرار في العمل كالمعتاد، ولا يمكننا تحمّل تكرار أخطاء الماضي".
وأشار وينسلاند إلى أنه منذ توقف الأعمال العدائية، في 21 أيار/مايو، سُمح لأربعين شاحنة محمّلة بالمواد الإنسانية بالدخول إلى غزة. وفي 25 أيّار/مايو، أعلنت سلطات الاحتلال فتح المعابر للطواقم ولبضائع إنسانية معينة، بما في ذلك شحن أكثر من 46 ألف لقاح عبر مرفق كوفاكس.
وأضاف: "من الأهمية بمكان أن يتم وضع جدول زمني يمكن التنبؤ به لدخول جميع المواد الإنسانية والطواقم من كلا المعبريْن".
بدأ إصلاح بعض البنية التحتية للمياه والصرف الصحي المتضررة. ومنعت سلطات الاحتلال دخول الوقود الذي تم شراؤه من خلال الأمم المتحدة لمحطة توليد الكهرباء في غزة منذ 10 أيار/مايو.
وأفادت الحكومة في غزة بأن الوقود الذي تم شراؤه من مصر قد تم استخدامه لضمان استمرار عمل المحطة، وإنه كان بقدرة منخفضة، مما أدى إلى الحصول على ما معدله 5 ساعات من الكهرباء في اليوم.
وتابع وينسلاند قائلاً إن "محطة توليد الكهرباء في غزة هي المصدر الوحيد لإمدادات الكهرباء على نطاق واسع داخل غزة، وهي مهمة لضمان تشغيل المستشفيات والعيادات الصحية ومرافق المياه والصرف الصحي".
ولفت إلى أن النظام الصحي يعاني بالفعل من نقص مزمن في الأدوية وعدم كفاية المعدات وجائحة كوفيد-19، ومن المحتمل ألا يقدر على تلبية احتياجات الجرحى بسبب العنف.
وأوضح أن "العنف الذي شهدناه، والعواقب المأساوية، غير مقبولين. لا يجب أن يكون المدنيون هدفا للعنف. الأطفال، بشكل خاص، لا يجب أن يتعرضوا أبدا للأذى. يجب أن يكون الصحفيون قادرين على القيام بعملهم دون خوف من الاعتداء والمضايقة".
وتطرق وينسلاند إلى الارتفاع الحاد في عدد الاشتباكات بين قوات الاحتلال الإسرائيلية والفلسطينيين، والعنف المرتبط بالمستوطنين، والهجمات الفلسطينية ضد إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، والاستخدام الواضح للذخيرة الحية من قبل قوات الاحتلال ضد متظاهرين فلسطينيين.
وقال: "أعيد التأكيد على وجوب محاسبة جميع مرتكبي أعمال العنف. يجب على القوات الإسرائيلية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، واستخدام القوة المميتة فقط عندما لا يمكن تجنبها من أجل حماية الأرواح".
كما جدّد وينسلاند التأكيد على أن جميع الأنشطة الاستيطانية غير قانونية بموجب القانون الدولي، وقال: "أحث إسرائيل على وقف الهدم ومصادرة الأراضي الفلسطينية، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، والسماح للفلسطينيين في المنطقة (ج) والقدس الشرقية بتنمية مجتمعاتهم".
ومن مدينة القدس، قدم المفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني، إحاطة عبر تقنية الفيديو، قال فيها إنه يجلس في مقرّ الأونروا الذي يبعد بضع مئات من الأمتار عن حي الشيخ جراح، حيث تواجه ثماني أسر فلسطينية لاجئة خطر الإجلاء القسري من منازلها.
وأضاف: "الأسبوع الماضي التقيت بأحد أفراد الأسر في الشيخ جراح في القدس الشرقية. محمد الكرد حدّثني عن مشاعر الظلم والخوف. الظلم لأن أسرته ستواجه التهجير القسري للمرة الثانية. والخوف من المضايقات العنيفة من طرف أولئك الذين يرغبون بإبعاده عن منزل طفولته".
ولفت الى أن الآلاف يشاطرون محمد شعوره، لأن شبح الطرد والتهجير يطاردهم في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وتحدث عن زيارته إلى غزة بعد إعلان وقف إطلاق النار، حيث وصف موظفو الأونروا الاجتماعيون والمهندسون ما حدث بأنه "جحيم على الأرض". وقال: "جحيم، لأنه على مدار 11 يومًا، لم تكن هناك استراحة من القتال. لم تكن هناك هدنة إنسانية للسماح بالمساعدة الطبية الطارئة للجرحى، أو إغاثة النازحين أو لمجرد الحصول على الطعام دون التعرض لخطر التواجد في المكان الخطأ في الوقت الخطأ".
وشدد لازاريني على الدور المهم الذي تضطلع به الأونروا في حياة لاجئي فلسطين، إلى أن يتم تحقيق حل عادل ودائم لمحنتهم، وقال: "من خلال أونروا قوية يمكن للاجئي فلسطين الصغار - البنات والأولاد، أن يذهبوا إلى أبعد ما يمكن بفضل نوعية التعليم. لؤي البسيوني هو أحد مهندسي الطائرة المروحية الأميركية التي ذهبت إلى المريخ. وهو أحد طلاب الأونروا وتخرج من مدرسة في بيت حانون. من غزة ذهب إلى ناسا".
ودعا إلى تمويل الأونروا بشكل كافٍ ويمكن التنبؤ به للتخطيط المناسب وتقديم الخدمات. وقال: "إنه أحد أكثر الاستثمارات فعالية من حيث التكلفة التي يمكن أن تقوم بها الدول الأعضاء".
وطلب من الدول الأعضاء الوقوف إلى جانب الوكالة ودعم الأونروا في مواجهة الهجمات السياسية المتكررة التي تسعى إلى تقويض دورها وولايتها.
وقال في ختام كلمته: "لم يطلب أحد البقاء لاجئا لسبعة عقود. كل لاجئ فلسطيني أقابله يريد حياة طبيعية ويريد الحق في العيش دون خوف ودون تمييز".
وفي إحاطته من داخل قاعة مجلس الأمن، أكد مندوب فلسطين الدائم، رياض منصور، أن سلطات الاحتلال الاسرائيلية فشلت في "تضليل وعي شعوب العالم" ولم يعد بإمكانها إخفاء نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) على حد تعبيره.
وقال: " كيف ستبرر (صهيونية) قانون القومية العنصري الذي يمنح الحقوق لليهود وينكرها على الفلسطينيين، كيف ستبرر هدم بيوتنا وتدمير ممتلكاتنا وتجريف حقولنا وسرقة مياهنا وسبل عيشنا، وفي المقابل تدعي ’حقها‘ في بناء المستوطنات على أرضنا والحواجز والجدار على طريقنا".
وحمّل الاحتلال مسؤولية تدهور الأوضاع في الأرض الفلسطينية المحتلة وخاصة ما حدث مؤخرا في القدس وغزة، "فهو نتيجة حتمية لسياساتها القمعية واحتلالها الاستعماري".
وشدّد على أن وقف إطلاق النار لن ينهي مطامع الاحتلال بضم المزيد من الأراضي وتهجير الفلسطينيين. وقال لمجلس الأمن: "لا يكفي التأكيد على ما نص عليه القانون الدولي، وواجبكم هو العمل على تنفيذه وليس مطالبتنا بالصبر، لأن كل ساعة تحمل معها المزيد من الآلام والدماء".
وقالت المندوبة الأميركية لدى مجلس الأمن الدولي ليندا توماس غرينفيلد إن الدبلوماسية الهادئة والمكثفة على أعلى المستويات أدت إلى وضع حد مؤقت للعنف بين الاحتلال والمقاومة.
وأكدت أن واشنطن مصممة على مواصلة العمل لضمان استمرار هذا الهدوء