في الذكرى السنوية الأولى لمقتل جورج فلويد على يد شرطي أبيض، تلتقي عائلته في البيت الأبيض الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، إحياء لذكرى مقتله، الذي دشن فصلا جديدا في كفاح الأميركيين السود نحو المساواة والعدالة.
قبل عام، وفي منتصف يوم 25 مايو/أيار تحديدا، شاهد العالم عملية قتل فلويد، في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، حين ضغط الشرطي الأبيض ديريك تشوفين بركبته على رقبة فلويد 9 دقائق متصلة، ولم يتحرك أحد لمنعه من رجال الشرطة الثلاثة الذين شاهدوا الموقف في صمت.
ولم تشفع لفلويد استغاثته المسموعة بوضوح خلال فيديو وفاته بأنه لا يستطيع التنفس؛ حتى توقف عن التنفس. وكانت عملية القتل واضحة وطويلة المدة، إضافة إلى أن فلويد لم يكن مسلحا، ولم يكن يقاوم أو يعتدي على رجال الشرطة، بل كان تحت ركبة الشرطي طوال الوقت.
لم ينه الحكم بإدانة رجل الشرطة الأبيض ديريك تشوفين لقتله فلويد الجدل حول سلوك رجال الشرطة البيض تجاه السود، في وقت ارتفعت فيه المطالبات بضرورة إصلاح نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة، وإصلاح قطاع الشرطة.
وفي الوقت الذي تنفس فيه الشعب الأميركي الصعداء بإدانة تشوفين، استمر انقسام الأميركيين على تبعات قرار إدانته.
ولم يعتبر كثير من رموز الحزب الديمقراطي قرار هيئة المحلفين -بإدانة تشوفين- كافيا، وطالبوا بتبني تشريعات من شأنها إنهاء عنصرية رجال الشرطة البيض تجاه السود.
وغردت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكتافيو كورتيز قائلة "هذا الحكم ليس بديلا عن تغيير السياسة".
كما صدر بيان عن الرئيس السابق باراك أوباما والسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما قالا فيه إن العدالة قد تحققت في هذه القضية، "نحن نعلم أن العدالة الحقيقية هي أكثر بكثير من مجرد حكم واحد في محاكمة واحدة".
ورغم الاتفاق العام على وجود خلل هيكلي في وضعية السود بالمجتمع الأميركي، فإنه لم يغير من هذا الخلل وصول رئيس أسود (باراك أوباما) إلى البيت الأبيض، الذي بقي في الحكم فترتين (2008-2016).
وحتى القوانين والتشريعات المختلفة لم تنجح في ردم هوة العنصرية المتفشية في قطاعات واسعة من الشرطة الأميركية.
وأسهم الانقسام على أساس حزبي في الكونغرس حول تشريعات إصلاح الشرطة في التشكيك في إمكانية النجاح بتبني أي قانون ملزم لإصلاح الشرطة الأميركية.
وتتبنى الولايات المتحدة قوانين تعكس المساواة النظرية بين كل مواطنيها بغض النظر عن لون بشرتهم أو خلفيتهم الدينية أو العرقية. ومع وقوع جرائم دوافعها عنصرية، تخرج المظاهرات والاحتجاجات ويتم توجيه الانتقادات والاتهامات للشرطة، ويطالب الساسة ويعِد الرئيس بإصلاح النظام الجنائي.
وفي إشارة واضحة إلى الخلل في تطبيق القانون، تبلغ نسبة السكان السود 13% من إجمالي عدد السكان الأميركيين، في حين يمثلون ما يقرب من 40% من إجمالي السجناء في البلاد.
ومع تكرار انتهاكات رجال الشرطة البيض للرجال السود، ظهرت حركة "حياة السود مهمة" لتنسق الجهود في محاربة هذه العنصرية، وللعمل على إصلاح النظام الجنائي. ويطالب قادة التنظيمات المؤيدة للسود بتدريب رجال الشرطة على ضرورة احترام حقوق السود وبقية الأقليات، وهذا الطلب ليس جديدا، لكنه لم يستثمر فيه بجدية من قبل.
كما يطالب النشطاء السود بإصلاح نظام العدالة الجنائية، فأي متهم أسود يخالف القانون ينال عقوبة أغلظ من نظيره الأبيض الذي يرتكب الجريمة نفسها.
ولا يمكن تحقيق العدالة أو الاقتراب منها إلا في ضوء المساواة في الفرص بين السود والبيض الأميركيين، وهنا تتوقف فرص الإصلاح ولا تتقدم إلى الأمام لعدم وجود إرادة للتغلب على هذه المعضلة.
بعد مرور ما نحو عام على وفاة فلويد، زاد إيمان الأميركيين بأن عنف الشرطة أصبح مشكلة خطيرة، في الوقت الذي تحفظت فيه نسبة كبيرة على حدوث أي تغييرات إيجابية في سلوك قوات الشرطة خلال العام المنصرم منذ مقتل فلويد.
وتشير بيانات استطلاع الرأي إلى شعور مزيد من الأميركيين بالتفاوت في تعامل الشرطة مع السود والبيض، وإلى عدم ثقتهم في برامج إصلاح الشرطة التي ظهرت عقب مقتل فلويد.
وخلال الفترة بين الرابع والعاشر من مايو/أيار الجاري، أجرت الإذاعة الوطنية "إن بي آر" (NPR) وهيئة البث القومي "بي بي إس" ( PBS) استطلاعا كشف عن أن 32% من الأميركيين يرون أن الشرطة المحلية تعامل السود بقسوة أكبر. ومع ذلك، لا يزال هناك تناقض عنصري كبير بين الأميركيين؛ ففي الوقت الذي يرى فيه 25% من البيض أن السود يعاملون بقسوة أكبر، ارتفعت تلك النسبة بين السود إلى 61%.
وفي الوقت الذي أيد فيه 77% من كل الأميركيين الحكم بإدانة تشوفين (قاتل فلويد)، لم تبلغ تلك النسبة إلا 52% بين الجمهوريين. وبالنظر إلى العرق ولون البشرة، فإن 89% من الأميركيين السود يؤيدون الحكم، في حين تبلغ النسبة 74% عند البيض.
وردا على سؤال حول نظرة الأميركيين للعلاقات العرقية اليوم مقارنة بالعام الماضي، ذكر 17% من الأميركيين أن الأمور تحسنت، في حين اعتبر 42% منهم أن العلاقات العرقية زادت سوءا عقب وفاة فلويد.
وكشف استطلاع آخر أجرته وكالة أسوشيتد برس بالتعاون مع جامعة شيكاغو عن وجود دعم قوي لإصلاح الشرطة، ولكن توجد ثقة أقل في حدوث التغيير الإيجابي لهذا الاصلاح.
وتظهر نتائج الاستطلاع، التي جرت بعد إدانة الشرطي تشوفين، أن معظم الناس يقولون إن حكم الإدانة لم يُحسن نظرتهم لنظام العدالة الجنائية.
وكشف الاستطلاع -الذي أجري على 1842 شخصا خلال الفترة من 20 أبريل/نيسان الماضي إلى الثالث من مايو/أيار الجاري- عن أن معظم الأميركيين يقولون إن العنصرية لا تزال مشكلة في بلدهم، وإن هناك فجوات كبيرة في الطريقة التي ينظر بها الأميركيون السود والبيض إلى العنصرية وعنف الشرطة على حد سواء.
واعتبر 60% من الأميركيين السود أن العنصرية مشكلة خطيرة "للغاية"، إلا أن أقل من ربع الأميركيين البيض فقط يوافقون على ذلك.
وبلغت نسبة البيض الذين يعتبرون أن عنف الشرطة ضد المدنيين أصبح مشكلة خطيرة 36% من البيض، وبلغت النسبة بين كل الأميركيين 42%.
ويعتقد 68% من الأميركيين السود أن التمييز ضدهم ازداد خلال العام الماضي، ويقول 84% من الأميركيين السود إنهم يواجهون الكثير من التمييز في هذه الفترة، خاصة التعامل مع الشرطة، أو أثناء التسوق، أو البحث عن وظيفة، أو التقدم بطلب للحصول على سكن أو قرض.
في النهاية، لم تكن حادثة قتل جورج فلويد الأولى من نوعها، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة؛ فمقتل رجل أسود أعزل على يد شرطي أبيض حادثة تكررت مرارا، ويعقب كل حالة موجة غضب واسعة وأعمال عنف، لكن مقتل فلويد لم تسبقه أي حالة أخرى من حيث خطورتها على مسار ومستقبل العلاقات العرقية داخل الولايات المتحدة. (İLKHA)