كتب الأستاذ عبد الله أصلان مقالاً جاء فيه:
في الماضي، كانت هناك روح صادقة وإخلاص في أعمال الأشخاص المجتهدين، حتى في أوقات فراغهم، كانوا يجدون دومًا أعمالًا مفيدة ينشغلون بها، وكان من الشائع أن يُشاد بالذين يسعون لتطوير أنفسهم من خلال قراءة الكتب، فكان يُقال عن أحدهم: "فلان يقرأ كثيرًا"، وهذا كان يجعل الناس يقدّرون أفكاره ويأخذونها بعين الاعتبار.
حتى ألعاب الأطفال كانت تحمل طابعًا رياضيًا، وكانت فوائدها الجسدية والذهنية لا تُحصى، من شدة انشغالهم باللعب والمساعدة في الأعمال المنزلية، لم يكن لديهم وقت لتناول الطعام بشكل صحيح، فكثيرًا ما كانوا يكتفون بقطعة خبز يخرجون بها إلى الشارع، وكان من المألوف أن ترى الأمهات والآباء ينادون أطفالهم من الشرفات أو الأسطح ليعودوا إلى المنزل لأنهم كانوا نادرًا ما يبقون داخله.
مع مرور الزمن، تغير الناس وتغيرت اهتماماتهم، ومع ازدياد الهجرة من القرى إلى المدن، ازداد إذا صح التعبير، "مكر الشيطان"، إذ كانت المدن تُعرف بأنها مراكز الحضارة، ولكن مع تآكل القيم، تراجع الشعور بالأمان والطمأنينة.
بدلًا من أن تصعد الإنسانية درجات الحضارة وتتواصل اجتماعيًا بفضل ما تمتلكه من إمكانيات، أصبحت أكثر وحدة وعزلة، الأطفال الذين كانوا لا يكادون يمكثون في منازلهم، أصبحوا الآن لا يغادرون غرفهم الفوضوية، بل إنهم حتى لا يشاركون في جو الأسرة، الجميع يبدو وكأنهم يقرأون شيئًا ما، لكن تلك العادة القديمة لقراءة الكتب وما كانت توفره من معرفة وثقافة اختفت تمامًا.
وفي نهاية المطاف، ظهرت ما تُسمى بـ "وسائل التواصل الاجتماعي"، التي تدعي تعزيز التواصل لكنها في الحقيقة قضت عليه، أصبحت العقول مكبّلة والأجساد مقيّدة، وكأنّ الناس أصيبوا بالشلل.
في ظل وجود منصات تتيح تحميل أي محتوى بلا ضوابط أو حدود، أصبحت منشورات الأشخاص السفهاء والمبتذلين والمسيئين تسيطر على اهتمام الملايين، هذه الفوضى تمهّد الطريق يومًا بعد يوم لانهيار المجتمع.
وفي خطوة هي الأولى من نوعها عالميًا، تبنّت أستراليا قانونًا يحظر وصول من هم دون 16 عامًا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الخطوة جاءت استجابة لمطالب الأهالي بحماية أطفالهم من مخاطر الإنترنت.
في تركيا أيضًا، هناك محاولات لاتخاذ إجراءات مشابهة، لكن القرارات النهائية بهذا الخصوص لم تُتخذ بعد.
بالإضافة إلى هذه التدابير، يجب أن يتم اعتماد تطبيقات أكثر شمولية وفعالية لضمان حماية جميع فئات المجتمع، يجب إخضاع جميع وسائل الإعلام للرقابة، وعدم التساهل مع أي محتوى يهدد قيم المجتمع أو يفسدها.
يجب ألا يكون المجتمع مجبرًا على مشاهدة الانحرافات أو السلوكيات غير الأخلاقية، سواء على الإنترنت أو وسائل التواصل أو حتى في الشوارع.
ما يُفرض علينا باسم "الحداثة" لا يمت للحضارة أو التمدّن بصلة!
كل ابتكار يُضعف المجتمع ويشوّش قيمه، هو ببساطة عبء، ومرض، وزائد عن الحاجة، وغير ضروري، ولا نريده!
ما نريده هو تسهيل حياة تكون مفيدة ومتوافقة مع قيمنا، قديمها وحديثها؛ ولا نطلب غير ذلك!
والسلام. (İLKHA)