لم تشهد مدينة بعلبك مثيلا لقصف والصلف الإجرامي الصهيوني  في تاريخها القديم والحديث، حيث وثقت تقارير إعلامية الأضرار التي تسبب بها القصف على تراث لبنان وآثاره وتاريخه المعماري.

دولة الاحتلال استهدفت البشر والحجر بعنف مفرط، وفق ما قال رئيس المجلس البلدي للمدينة مصطفى الشل.

وأردف: "عشرات المجازر ومئات الشهداء ودمار كبير أصاب وحدات سكنية ومواقع أثرية أبرزها على الإطلاق قلعة بعلبك أعرق وأقدم معلم أثري في لبنان".

وقال في حديث له: "أصيبت القلعة بأضرار جزئية قرب مدخلها حيث سقطت حجارة من سورها الخارجي وتناثرت بعض أقسام من حائط آخر يفصل بين منطقة البساتين وحرم القلعة، وليس بعيدا من القلعة دمرت الغارات معلما أثريا سياحيا، هو قبة دورس التي أصيب بأضرار كبيرة".

والتدمير الصهيوني لم يقتصر على مواقع ترجع إلى الحقبة الرومانية، بل شمل أحياء ومعالم تراثية وسياحية لها تأثير مهم في الحركة الثقافية والاقتصادية المحلية وحتى العالمية.

ويقول الشل: "المؤسف في سلة الخسائر التي أصابتنا ذلك الخراب الذي حل بمنشية بعلبك، والمنشية بناء أثري يرجع إلى الحقبة العثمانية، وهي كانت قبلة السائحين، توازي في دورها أهمية الحركة السياحية في القلعة".

وأضاف: "من بين المعالم التراثية المستهدفة "أوتيل بالميرا" الواقع على مسافة أمتار من مدخل القلعة وثكنة غورو التي بناها الجيش الفرنسي مطلع القرن الماضي، مع العلم أن القصف الصهيوني لم يوفر أي موقع أثري في المدينة ومحيطها".

و عن دور المجلس البلدي في معالجة نتائج الغارات على هذا الصعيد يجيب "الشل" قائلاً: "من جهتنا نقوم بإجراءات ميدانية بُعيد كل إغارة من خلال تدخل عمال وشرطة البلدية لرفع الأنقاض بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية ومحافظة بعلبك الهرمل ولحماية أي قطعة أثرية أو تاريخية تتناثر بفعل القصف، وكل هذا يتم بالتنسيق مع المديرية العامة للآثار، والأخيرة على اطلاع بالتفاصيل التي نقع عليها، لكن تقديرات الأضرار وتكلفتها رهن بتوقف الاعتداءات".

ويؤكد رئيس قسم الترميم والحفاظ على المواقع الأثرية في المديرية العامة للآثار بوزارة الثقافة اللبنانية "خالد الرفاعي" عدم وجود أية أضرار ظاهرة للعيان وسط حرم قلعة بعلبك.

وأوضح في حديث له مع وسائل إعلامية أن عمليات القصف الجوي أحدثت انهيارات في أجزاء غير متينة في سور خارجي يقع ضمن منطقة الحماية وهو قريب من مدخلها.

وأبدى خشيته من استمرار القصف على مواقع قريبة من القلعة لأنها تحدث ارتدادات تحت أرضية قد تتسبب بانهيارات لبعض الأجزاء ذات الإنشاءات الضعيفة أو تلك التي تحتاج إلى ترميم.

والاعتداءات الصهيونية لم تقتصر على مواقع أثرية وأبنية سكنية في المدينة، بل طالت أيضا كنائس للطائفة المسيحية تقع وسط ما يعرف ببعلبك القديمة، وعنها قال الرفاعي: "دولة الاحتلال استهدفت المنشية التاريخية ومعها 3 كنائس للطوائف المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية وديرا مارونيا، وهي معالم أثرية مجاورة لأوتيل بالميرا وللمنشية ولمدخل القلعة، مما أدى إلى وقوع أضرار كبيرة".

ووصف "الرفاعي" الحديث عن سرقة أحجار ذات قيمة تاريخية من المنشية المدمرة وبعض الأمكنة المتضررة بـ "الشائعات المغرضة" فحجارة بعلبك كبيرة ولا تُسرق، لأن المديرية العامة للآثار نقلت حجرا يحمل نقشا يؤرخ لتاريخ بناء المنشية عام 1922 وهو محفوظ اليوم داخل القلعة ولم يسجل أية عملية سرقة مع العلم أن القوى الأمنية وشرطة البلدية تحمي المواقع الأثرية وهذا الفعل معطوف على حرص البعلبكيين على تاريخهم وتراثهم".

وعن دور وزارة الثقافة والمديرية في إعادة بناء ما تضرر قال: "لدينا خبرة واسعة في مجال إعادة ترميم ما تهدمه الحروب من آثارات والمديرية قادرة على التعاطي مع هذه المشكلة فور انتهاء الاعتداءات".

ولم تسلم المواقع السياحية في المدينة من التدمير أيضا، وهي قبل ذلك شكلت نقطة جذب للسائحين محليين وعربا وأجانب، ليتكامل دورها مع دور القلعة ومعالمها التاريخية.

ويشير رئيس منتدى بعلبك الإعلامي "حكمت شريف" إلى "مرجة رأس العين" التي تضررت بالكامل. ويوضح: "المرجة هي حديقة بعلبك حيث نهر وبركة رأس العين وسط مساحات خلابة يقصدها أبناء المدينة وزوار من أرجاء لبنان وخارجه، هذا المتنفس الوحيد وإلى جواره عشرات المؤسسات السياحية من مقاه ومطاعم دمرت بالكامل".

وأضاف: "قصفت طائرات العدو الصهيوني مرجة رأس العين وحي الشيقان حيث سقط 9 شهداء من عائلة واحدة ولم ينج منهم سوى الطفل هادي ابن السنة ونصف، وهو يرقد اليوم في مستشفى الريان لمتابعة علاجه من جروح خطرة أصابته، في حين بقي 3 شهداء من أفراد عائلته تحت الأنقاض حتى اليوم".

وتابع: "دولة الاحتلال لم تستهدف الحجر في بعلبك فقط لقد صبت حممها على البشر والحجر في محاولة لتحويل مدينتنا إلى مدينة أشباح، لكنها ستفشل بفضل إرادتنا وتوقنا للحياة، ومثلما خرج هادي من تحت الأنقاض ستولد مدينتنا من جديد مهما غلت التضحيات وستسلم قلعتنا وحجارتها العصية على الزمن". (İLKHA)