كتب الأستاذ محمد أشين مقال جاء فيه:

تأسست الدولة الإسلامية وقويت على أسس متينة في المدينة المنورة.

وبالتوازي مع ذلك كانت أنشطة الدعوة إلى الإسلام تتم على نحو فردي ومباشر وبأساليب وطرق مختلفة.

فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير من الصحابة، ليقدم كتاب الدعوة إلى الإسلام إلى شُرَحبيل بن عمرو الغساني أمير بصرى (حَوْران).

ولكن الحارث قُتل على يد الغساسنة، وهذا انتهاك صريح لحصانة السفراء..

وردًا على هذا العمل الوقح، جهز النبي على الفور جيشًا قوامه 3000 رجل.

ولم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمي أكثر من قائد في الجيش الذي يرسله للحرب، ولكنه عين في هذا الجيش أكثر من قائد على التوالي.

وقائد الجيش هو زيد بن حارثة، فإذا استشهد زيد تولى قيادة الجيش جعفر بن أبي طالب، وإذا استشهد فعبد الله بن رواحة.

وحسب الأعراف والإجراءات المتبعة فإن العدو يُدعى أولاً إلى الإسلام، فإن لم يقبل ولم يوافق على دفع الجزية قوتل مع هؤلاء المجرمين الذين قتلوا رسول الإسلام.

وخالد بن الوليد قائد العرب العبقري، هو جندي عادي في هذه الحرب، ليس له رتبة، ولا نياشين ولا نجوم.

وعندما خرج الجيش الإسلامي من المدينة المنورة، ووصل إلى مؤتة واجه جيشًا من العرب المسيحيين قوامه مائة ألف مقاتل مدعومًا من بيزنطة.

تسبب هذا الوضع غير المتكافئ في القوة، في قلق المسلمين وتشاوروا لمناقشة الموقف.

وطرحت ثلاث خيارات: التراجع، أو إرسال رسول لإبلاغ النبي ﷺ بالوضع، أو خوض القتال، وبعد نقاش، قرروا القتال.

وتبدأ الحرب...

القائد زيد يستشهد، ويأخذ جعفر الراية مكانه.

تُقطع يد جعفر اليمنى ويأخذ الراية بيده اليسرى، فتقطع يده اليسرى أيضًا، وفي هذه المرة أمسك الراية بين صدره بالضغط عليها بالأجزاء المتبقية من يديه المقطوعتين، وأخيرًا عندما استشهد جعفر، أخذ عبد الله بن رواحة الراية.

وشجع عبد الله الجيش على القتال بالقصائد الشعرية الحماسية، وعندما استشهد هو الآخر لم يكن هناك قائد رابع عينه النبي لقيادة الجيش.

وهنا تظهر أخلاق الصحابة النبيلة.

وعلى الفور قرروا أن يتولى قيادة الجيش خالد بن الوليد الذي كان جنديًا في الجيش.

وتولى خالد القيادة وأخذ الراية بيده، ودارت المعركة حتى المساء.

وفي الصباح، تجلى ذكاء القائد خالد بن الوليد.

فغيّر مواقع الجنود في ميمنة وميسرة الجيش الإسلامي، ومن المؤخرة إلى المقدمة.

وهكذا، وفي الوقت الذي كان يوهم العدو بقدوم تعزيزات جديدة، كان من ناحية أخرى يتراجع ببطء من أجل إنقاذ الجيش الإسلامي من هزيمة محققة ومذبحة أكيدة.

قد أخبر سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابة في المدينة بمجريات الحرب، بعد أن أخبر باستشهاد القادة تباعًا، فلما جاء دور خالد قال: "وأخيرًا أخذ سيف من سيوف الله الراية"، وأطلق على خالد لقب "سيف الله المسلول".

وها هم قادة المسلمين اليوم، يستشهد في سبيل الله ضد نظام الاحتلال الصهيوني.

إن العدو يحاول تركيع المسلمين وهزيمتهم باستشهاد أبرز قادتهم الميامين وأحبهم إلى قلوبهم.

ولكن الحمد لله كما في معركة العصف المأكول لا يزال قائد آخر يقاتل مكان كل قائد، ولا يزال مجاهدون آخرون يقاتلون مكان كل جندي.

نسأل الله أن يكرم الشهداء، وأن يرزق الأمة قادة جددًا يعيدون أمجاد الإسلام، تمامًا كما بارك خالد بن الوليد وجعله سيفًا لنصرة هذا الدين(İLKHA)