كتب الأستاذ ناشد توتار مقال جاء فيه:

إننا كأمة نواجه مصائب عظيمة، وكأننا وسط بحر من البلايا، في قارب بلا مجاديف، بلا شراع، بلا بوصلة، تتقاذفه العواصف الرهيبة هنا وهناك، ونحن في دوامة من الخوف، والوحدة، والمجهول، والعجز، واليأس، نبحث عن يد تنقذنا.

ذات يوم، كان المسلمون يحكمون العالم، يقيمون الدول، وينشرون حضارة أثّرت على كل الحضارات الأخرى، تُعلم الناس الإنسانية، والرحمة، والتسامح، وحرروا البشر من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان إلى عبودية الله وحده، ولكن خلال القرنين الماضيين، لم يعد المسلمون يبرزون وجوداً قوياً، وتحولوا من مؤثرين إلى مجرد أشياء خاملة.

وفي مواجهة الهيمنة الغربية، تراجع المسلمون شيئاً فشيئاً، وتعرضوا لأشكال شتى من الهجمات، ولم يجدوا في أنفسهم القوة والإرادة للوقوف ضد هذه الهجمات، ومع سقوط الإمبراطورية العثمانية، آخر حصن للإسلام والمسلمين، وإقامة الجمهورية التركية التي وجهت وجهها إلى الغرب وألغت الخلافة، باتت الأمة بلا قائد، ونظراً لعدم وجود قوة رمزية تحمي وتوحد المسلمين، أصبحت أراضيهم عرضةً للاحتلال، وأصبحوا مكبلين بأغلال العبودية، ونُهِبت ثرواتهم الطبيعية، ودُنّست مقدساتهم، وانتهكت حرماتهم.

ومع "سياسة فرق تسد" الاستعمارية التي أوجدت دويلات مصطنعة، وُضِع على رؤوس هذه الدويلات حكام دمى، يعادون شعوبهم، ويتعاونون مع أعدائهم، وشنوا حرباً على معتقدات المسلمين وأخلاقهم وأسلوب حياتهم، وقمعوا شعوبهم بقبضة من حديد، إن هؤلاء الحكام الذين يحملون أسماءً كأسمائنا لكن حياتهم أكثر فساداً من حياة أي غربي، رأوا في إسكات شعوبهم وضبطهم واجباً عليهم ليتمكنوا من الحفاظ على كراسيهم، وهكذا جعل هؤلاء الحكام شعوبهم تفتقر إلى العزة والكرامة والشرف، ونجحوا في تصوير الذل على أنه عزة، والعبودية على أنها حرية، هذا هو السبب الأول والأهم وراء حالة البلادة، وحب العبودية، وفقدان الحراك لدى الأمة الإسلامية، أمّا السبب الثاني فيكمن في تحويل الإسلام من منهج حياة إلى مجرد طقوس عبادة، فكان ذلك خيانة لديننا، وتبعتها المصائب التي تنزل علينا كالمطر.

ثمانون عاماً من احتلال فلسطين، وفي الآونة الأخيرة في غزة، حيث تجري المجازر، والتدمير، والحصار، وتدنيس حرمة المسجد الأقصى، من دون أن يكون هناك رد فعل قوي وملموس، يجب البحث عن سبب هذا في الحكام المستبدين والشعوب المكبوتة.

 إن ضعف ارتباط المسلمين بدينهم، وتقليدهم الأعمى للغرب، وإضعاف روح الجهاد، وقطع روابط الأخوة بينهم، كلها عوامل أدت إلى تحول الأمة في إيمانها وأخلاقها وسلوكها، ووجود الحكام الذين لا نرضاهم هو نتيجة لما نحن عليه. كما قال الله تعالى:

"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (سورة الأنفال: 53).

ويقول ربنا في آية أخرى.

"إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ". (سورة الرعد: 11)

ومن هنا يتضح أن الأسباب نفسها تلد نفس النتائج، فإذا كانت علاقة الأمة بالإسلام في عهدها الأول قد جلبت لها السيادة، فإن تهاونها تجاهه اليوم أفضى إلى ما نحن فيه من ذل وهوان، لذا الحل واضح أمامنا: وهو العودة إلى أصولنا، إلى قيمنا التي جعلتنا ما نحن عليه، إلى إحياء تلك القيم التي تمثل هويتنا الحقيقية(İLKHA)