نجح القائد الفلسطيني "محمد سمير جابر"، المعروف بلقبه "أبو شجاع"، في عمرٍ لم يتجاوز الخامسة والعشرين، في تحويل مدينة طولكرم بالضفة الغربية إلى قلعةٍ صامدةٍ للمقاومة الفلسطينية.

كان أبو شجاع قائدًا بارزًا في "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وترك بصمته العميقة على المقاومة، رغم استشهاده بعد رحلة مليئة بالعطاء والتضحيات.

واستشهد "أبو شجاع" في 29 أغسطس، خلال هجومٍ كبير شنه الاحتلال على مخيم نور شمس في طولكرم، بعد معركةٍ شرسة قادها مع مجموعة من رفاقه.

في ذلك اليوم، كان "أبو شجاع" رمزًا للشجاعة والصمود، يواجه العدو بشجاعةٍ قلّ نظيرها، محققًا ما وعد به طوال حياته: "البقاء على طريق الشهداء حتى النصر".

اشتهر "أبو شجاع" قبل استشهاده بمواقفه البطولية وتحديه المستمر للاحتلال الصهيوني.

في شهر أبريل من نفس العام، اعتقد الجميع أن "أبو شجاع" قد استشهد خلال اشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال في نفس المخيم، ولكن، بعد 55 ساعة من القتال العنيف، ظهر فجأةً في جنازة الشهداء، ليحمل نعوش رفاقه الأبطال الذين سقطوا في المعركة.

كانت تلك اللحظة مفاجئة وصادمة للجميع، حيث كان الجميع يظن أنه استشهد، ولكنه كان هناك، حاملاً نعوش الشهداء ومشاركًا في وداعهم.

هذه الحادثة أثبتت للعالم أجمع أن الاحتلال يعتمد على التضليل الإعلامي والإشاعات لتحقيق مكاسب نفسية بين صفوف جنود.

ففي الوقت الذي أعلن فيه الاحتلال مقتل "أبو شجاع" عبر وسائل إعلامه، كان القائد حيًا يرزق، يقود المقاومة ويزرع الرعب في قلوب أعدائه.

هذه الحادثة زادت من مكانة "أبو شجاع" بين الشعب الفلسطيني، وجعلته رمزًا للمقاومة والشجاعة في وجه الاحتلال.

ولد "أبو شجاع"، في مخيم نور شمس للاجئين قرب طولكرم عام 1998، ونشأ في عائلةٍ تعاني من آثار النكبة، حيث تم تهجير أسرته قسراً من مدينة حيفا خلال نكبة 1948، ومنذ ذلك الحين، كبرت العائلة تحت ظلم الاحتلال، ما جعله يتأثر منذ صغره بهذه الأحداث ويتبنى قضية المقاومة.

في سن السابعة عشرة، تم اعتقاله من قبل قوات الاحتلال، وقضى خمس سنوات في السجون الصهيونية.

خلال فترة سجنه، استغل الوقت في تطوير نفسه علميًا وفكريًا، واستعد للخروج ليكون قائدًا مؤثرًا في ساحة المعركة.

بعد خروجه من السجن، انضم "أبو شجاع" إلى صفوف سرايا القدس، وبدأ في تخطيط وتنفيذ عمليات المقاومة ضد الاحتلال.

في تلك الفترة، كانت حركة الجهاد الإسلامي تواجه ظروفًا صعبة، حيث استشهد العديد من قادتها في عمليات اغتيال واعتقالات موسعة.

في ظل هذه الظروف، برز "أبو شجاع" كقائدٍ شجاع، قادرٍ على توحيد الصفوف وتعزيز المقاومة في طولكرم.

وفي عام 2022، بعد أن ازدادت الأوضاع تعقيدًا، قرر "أبو شجاع" بيع محل الحلاقة الذي كان يملكه واستخدام أمواله لشراء أسلحة وذخائر لدعم المقاومة، كما تميز بقدراته على صنع القنابل اليدوية وتطوير تكتيكات قتالية جديدة، مما جعله هدفًا رئيسيًا لقوات الاحتلال.

تحولت طولكرم تحت قيادة أبو شجاع، إلى مركزٍ قوي للمقاومة، مشابه لما كانت عليه جنين من قبل.

أطلق عليه الشباب الفلسطيني لقب "الرجل الذي أحببنا المقاومة من خلاله" وذلك لدوره الكبير في تشجيع الشباب على الانضمام لصفوف المقاومة، ولأنه كان معروفًا بين الشباب الفلسطيني بشجاعته واستعداده للتضحية بحياته من أجل تحرير فلسطين.

من بين أبرز إنجازاته، قدرته على توحيد مختلف الفصائل الفلسطينية تحت لواء "كتيبة طولكرم"، مما شكل قوة ضاربة ضد الاحتلال.

لعبت الكتيبة دورًا محوريًا في صد هجمات الاحتلال في شمال غرب الضفة الغربية، وكانت تسبب خسائر فادحة في صفوف قوات الاحتلال في كل اشتباك.

أصبح "أبو شجاع" هدفًا دائمًا لعمليات الاغتيال الصهيونية، ورغم محاولات الاحتلال المتكررة لاغتياله، فإنه كان ينجو منها بفضل شجاعته وذكائه، ولكن، في نهاية المطاف، استشهد "أبو شجاع" في معركةٍ بطولية مع قوات الاحتلال، رافضًا الاستسلام ومدافعًا عن أرضه حتى الرمق الأخير.

لقد كانت الضفة الغربية مكانًا صعبًا للمقاومة، حيث لم يكن للمجاهدين هناك تعرف الأنفاق التي يستخدمها نظراؤهم في غزة للاختباء من ضربات العدو.

ورغم هذه التحديات، استمر "أبو شجاع" ورفاقه في النضال ضد الاحتلال وقوات الأمن الفلسطينية الموالية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذين كانوا يسعون لاعتقاله.

في يوليو الماضي، أصيب "أبو شجاع" خلال تصنيعه عبوة ناسفة، مرة أخرى، وحاولت قوات عباس اعتقاله أثناء تلقيه العلاج في مستشفى ثابت، إلا أن الفلسطينيين في المدينة حاصروا المستشفى وأنقذوه من الوقوع في أيديهم.

أثارت هذه الحادثة غضب حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين طالبتا عباس بالتوقف عن تسهيل احتلال فلسطين من خلال استهداف المقاومين.

وفي 28 أغسطس، شن الاحتلال الصهيوني هجومًا هو الأكبر من نوعه على الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية، مستهدفًا تدمير البنية التحتية في المدن الفلسطينية إلى جانب استهداف المقاومين.

في هذا الهجوم، قاتل "أبو شجاع" ورفاقه ببسالة حتى استشهدوا في مخيم نور شمس، تاركين وراءهم إرثًا من الشجاعة والتضحية.

بعد استشهاده، أصدرت حركات المقاومة الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، بيانات تشيد ببطولة "أبو شجاع" ورفاقه، مؤكدة أن دماءهم لن تذهب سدىً وأنهم سيواصلون النضال حتى تحرير فلسطين. (İLKHA)