في أول مؤتمر "تأبيني| سياسي" دعا إليه "مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية" بإسطنبول، شهد حضورًا مكثفًا من رموز وقادة العالم العربي والإسلامي، لتقديم واجب العزاء لحركة حماس والشعب الفلسطيني، وللشعوب العربية والإسلامية ولأحرار العالم، في استشهاد القائد العام لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، وللتنديد بجريمة اغتياله، التي تعد جريمة دولية مكتملة الأركان، لكنها لا تجد النظام الدولي الذي يلاحقها، وقد أشرف على الإدارة، المدير الإداري لمركز حريات الأستاذ "أحمد حسني".
بدأ المؤتمر بكلمة الدكتور "طارق الزمر" رئيس "مركز حريات" الذي قدم التعازي للأمتين العربية والإسلامية، نيابة عن مركز حريات، مؤكدًا أن المجاهد الشهيد "إسماعيل هنية"، الذي لم ينزل من فوق جواده طوال حياته، مرابطًا من أجل فلسطين.. مدافعًا عن القدس.. منافحًا عن الأقصى.. يلهج بالدعوة لتحرير فلسطين، كل فلسطين، دون التنازل عن شبر أو سنتيمتر واحد من الأرض، وكانت حياته ملحمة بطولية، ملأها بالعمل والاجتهاد، وتوّجها بالمقاومة والجهاد، دفاعًا عن أشرف بقعة، وأنبل قضية، واقفًا في جانب أقدس المقدسات، في مواجهة أشد الناس عداوة للذين آمنوا.. لقد عاش وتربى بين الأبطال والقمم الشامخة، فلم يرض إلا أن يموت مثلهم، في ميدان الشرف والبطولة والكرامة، فليس غريبًا أن تكون خاتمته الشهادة، وقد عاش طوال حياته طالبًا لها، وليس غريبًا أن يكون شهيدًا، وقد سبقه أربعون ألف من شعبه، كان دائمًا يقول لست بعيدًا عنهم، ولست أفضلَ منهم، بل أنا منهم.. ليس غريبًا أن يلحق بكوكبة العظماء، وعلى رأسهم شيخِهم الجليل، الشيخ "أحمد ياسين"، رحمهم الله تعالى جميعًا.. كما طالب بضرورة الاسناد والدعم الشعبي، العربي والإسلامي، والذي يمكنه أن يغير بالقليل منه خرائط فلسطين، بل خرائط المنطقة كلها، ولا سيما والأيام القادمة، تحمل نذر "حرب مفتوحة"، كما تتزايد بشكل كبير "احتمالات الحرب الإقليمية"، وهو ما قد يؤهل العالم لاستقبال "نظام دولي جديد"، على أنقاض نظام الهيمنة الأمريكي الذي عانت أمتنا منه الأمرّين.. كما أكد على إن الانتصارات الكبرى التي حققتها المقاومة، يجب أن تحفز نحو المزيد من الجهد والعرق، للحفاظ على هذا النصر، والعمل على تراكم المزيد، وإذا كنا قد خسرنا أبا العبد إسماعيل هنية، فقد خسروا "منظومة الردع" التي بنوها على مدى أكثر من سبعين عامًا.. وإذا كنا قد خسرنا أكثر من ٤٠ألف من الشهداء، فإن المقاومة قد نجحت في بناء "ميزان قوى جديد"، و"نظام ردع جديد"، يسمح برسم خرائط جديدة.. وإذا كان أبناؤنا في غزة قد أصبحوا نازحين فالمصير الأسوأ قد لحق بالإسرائيليين الذين أصبح غالبيتهم بين نازحين من الشمال أو مهاجرين خارج فلسطين، لا يدرون متى يعودوا، أو يسكنون الملاجئ.
ثم جاءت كلمة الافتتاح للدكتور "المنصف المرزوقي" رئيس الجمهورية التونسية الأسبق بعد تقديم العزاء للأمتين العربية والإسلامية، مؤكدًا أن ما يجري في غزة يشبه البراكين التي أصابت بلدان الربيع العربي، فهي تسهم في مسيرة تدمير النظام العربي، الذي لابد وأن ينهار، ليحل محله نظام جديد، يعبر عن الشعوب العربية وتطلعاتها، كما دمرت الحربين العالميتين أوربا ليخرج من رحمها الاتحاد الأوربي، وذكر أن ما يجري من خذلان لغزة، هو نتيجة طبيعية للتآمر على الديمقراطية بالعالم العربي، وخاصة مصر.. وقال: إن غباء الكيان الصهيوني، هو الذي يجعله يتمادى في الاغتيالات، التي تشعل جذوة المقاومة، فهنية حيًا هو أخطر منه ميتًا، بالنسبة إسرائيل وكل حلفائها، ومن هنا يجب أن نقسم بعده على أن نواصل الطريق رافعين شعار: ننتصر أو نموت.
ثم جاءت كلمة الدكتور "علي الكرتي" والأمين العام للحركة الإسلامية بالسودان ووزير الخارجية السوداني الأسبق، حيث أكد فيها أن المشروع الصهيوني هو امتداد للمشروع الغربي بالمنطقة، وأن ما جرى للسودان منذ ٢٠١٩ وما يجري لبعض البلدان العربية حتى اليوم، إنما لدعمها للقضية الفلسطينية ورفضها للتطبيع وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني.. كما أكد أن كثرة الشهداء دليل على مدى قدرة الأمة على العطاء، وهو ما يتضح أيضًا في تسابق الجماهير العربية والإسلامية على صلاة الغائب، وأنهم جربوا في السودان كيف أن الشهيد يخلفه الأبطال يتسابقون على دربه، وأشار إلى أن الكيان الصهيوني هو رأس حربة المشروع الغربي بالمنطقة، لهذا فهم يقفون خلفه بشكل حاشد، فضلاً عن أن معركة فلسطين هي المعركة الفاصلة بين الحق والباطل، كما أكد أن اجتماع الأمة سيكون قريبا، فهو الطريق لتحقيق أهدافها الجامعة.
وتناول الدكتور "ياسين أقطاي" السياسي والأكاديمي التركي ونائب رئيس الشئون الخارجية لحزب العدالة والتنمية، كيف أن الشهيد قدم أكثر من ستين شهيدًا من أسرته قبل استشهاده، وقال: "إن الاغتيالات هي نهج الحركة الصهيونية منذ تأسيسها، فقد نفذوا الكثير من عمليات الاغتيال، وأكد على أن مجازر غزة كشفت أن العالم كله تحت الاحتلال".. وقال: "إن صلاة الجنازة على الشهيد هنية بقطر، حضرتها كل شعوب العالم العربي والإسلامي، وغاب عنها حكام العرب، وكأن القضية الفلسطينية قد هجرها العرب واستقبلها المسلمون".. ولم يفت أقطاي أن يرصد كثافة الحضور التركي الرسمي والشعبي في جنازة الشهيد، إضافة للحضور المصري الشعبي الكثيف، وختم بما قاله المفكر "طه عبد الرحمن"، الذي وصف "هنية": عندما كان حيًا كان هو الشهيد الحي، ولما استشهد أصبح حيًا بشهادته.
وفي كلمة من "لبنان" أشار الدكتور "بلال سعيد شعبان" الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي، إلى مدى تجاوب الأمة مع استشهاد "هنية"، فأقوال الخلق أقلام الحق، وذكر كيف أن كل من يذهب إلى غزة يؤكد، أنها ليست تحت الاحتلال، بل هي المكان الوحيد المحرر في العالم! كما أنها تقاتل نيابة عن الأمة كلها، التي ابتليت بنظم "سايكس بيكو"، مؤكدًا أن هذه النظم هي التي تحمي الكيان الصهيوني، وعلى سبيل المثال: فمن الذي يمنع الشعب المصري والأردني من الدخول لفلسطين لدعم جهادها؟! مؤكدًا أن عدم مساندة أهل غزة مع القدرة هو خيانة، مضيفًا أن علماء السلاطين الذين فلسفوا طاعة المستبدين، هم الذين يدعون لتمزيق الأمة بين الطوائف والملل المختلفة، وقال: "إنهم في لبنان تجازوا كل الخلافات الطائفية والعرقية، واجتمعوا على مقاومة الكيان الصهيوني حتى غادر، وطردوا كل حلفائه الذين جاءوا واحتلوا بيروت لحسابه، كما حيا كفاح الشعب الفلسطيني منذ انتفاضة الثمانينات حتى اليوم، وقال إن واجب الشعب المصري، الذي أطعم العالم كله في السبع العجاف، والذي تصدى للصليبيين وهزم التتار هزيمة منكرة، كيف لا ينصر أهل غزة اليوم؟! برغم أنهم الوحيدون الذي يمتلكون معبرا إليهم؟! وقال: إن الأيام القادمة ستشهد تطورات كبيرة، وربما تمطر السماء صواريخ، وأن اللبنانيين على استعداد لأن تُدمر بيروت ولبنان كلها مرة أخرى، إذا كان ذلك سيخفف عن أهل غزة معاناتهم، ودعا العرب كلهم إلى المشاركة في هذه الملحمة، نصرة لغزة وشعبها.
كما تحدث الدكتور "نبيل كحلوش" الباحث السياسي والاستراتيجي الجزائري: متناولاً الجرأة التي وصل إليها الكيان الصهيوني في عمليات الاغتيال، والتي تمثل في أحد أبعادها استهانة بأمتنا، ومدى قدرتها على نصرة اخواننا في فلسطين، وقال: إننا لو أدركنا أسس الكيان الصهيوني الثلاثة (التضليل الإعلامي ـ التحالفات السياسية ـ قدرته المالية) لأمكن ضربه بسهولة.. مؤكدا أن التغيرات في النظام الدولي، تلزمنا بالصبر حتى تبلغ مداها، ويومها ستكون كلمة قضيتنا، وكل قضايانا في وضع أفضل كثيرا.
وفي كلمته، قال النائب البرلماني اليمني الشيخ "حميد الأحمر" رئيس رابطة "برلمانيون من أجل القدس": "إن المشروع الصهيوني الذي يتغول بدعم غربي، يحتاج منا أن نعترف أن المعركة أوسع من حماس بكثير، فهي معركتنا جميعًا، كما يجب أن يلتف الجميع حول هذه القضية، فضلاً عن رفض استباحة دماء إخواننا في فلسطين، وانتهاك القانون الدولي بكافة الأشكال، كما يجب على "تركيا" "وقطر" "وإيران"، لما لها من موقع متميز في هذه القضية، أن يقوموا بالدور الأكبر، كما ندد بالمتخاذلين من العرب الذين أبدوا ارتياحهم لاغتيال الشهيد المجاهد "إسماعيل هنية".
كما جاء في كلمة الدكتور "حسين عبد العال" الأمين العام "للهيئة العالمية لأمة واحدة" تثمين فكرة المؤتمر التي تؤكد على محورية دور القادة في حياة الأمة، والوقوف طويلا في النظر في سيرتهم ومسيرتهم، واستلهام العبر والعظات منها، متناولا زهد الشهيد وعزوفه عن الدنيا، التي كانت مفتوحة له على مصراعيها، مؤكدًا أن أحد أهم إنجازات "طوفان الأقصى"، هو عرقلتها لمسار التطبيع، الذي ترفضه الأمة، والذي انزلقت إليه بعض الحكومات، برغم أنه يعد من أهم الأخطار التي تواجه العالم الإسلامي، ودعا إلى التصدي لمسار التطبيع، ولا سيما بعد أن ظهر عدوان بني صهيون الوحشي على أبناءنا في غزة، كما دعا للتعريف بالصهيونية، وإلى توحيد الصفوف بين شعوب منطقتنا، مهما كانت الخلافات العرقية أو الطائفية، فما يجمعنا أكبر وأهم، وخاصة والعدو يتربص بنا جميعا ويقتل أبناءنا ليل نهار أمام أعيننا، ولم يفته أن يستنكر عدم مشاركة الزعماء العرب في جنازة الشهيد، في الوقت الذي لا يتأخرون حال وفاة أحد قادة الكيان الصهيوني المحتل.
وأختتم المؤتمر فعالياته بكلمة الدكتور "محمد الصغير" رئيس "الهيئة العالمية لنصرة النبي" متناولا غدر اليهود منذ المدينة، حين حاولوا اغتيال النبي "صلى الله عليه وسلم"، مذكرا بأزهرية الشهيد كالكثير من المجاهدين، أمثال "عز الدين القسام" "وعبد الله عزام"، وذكر كيف أن شيخه "أحمد ياسين" المعذور، لم يترك الجهاد، بل ربى أهم جيل مجاهد، كان من بينهم شهيد اليوم، الذي كان يتمتع بقدر كبير من التواضع والزهد، وذكر أنه حينما زاره، ظن بيته موقف سيارات! فضلاً عن تعليق صور كل قادة الفلسطينيين من شتى التيارات والفصائل في باحته، حيث كان يدعو دائمًا لتوحيد الصفوف، كما ذكر أن الشهيد كان متيمًا بحب مصر، حتى أنه كان يرى أن كلمة السر لوحدة الأمة هي "مصر"، ثم وجه الشكر لدولة قطر، على مواقفها التاريخية بخصوص قضايا الأمة ومشكلاتها، وذكر مواقفها المهمة تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته، ثم ذكر كيف أن أمير "قطر" "تميم بن حمد" قد حضر الجنازة واضعًا عقاله، علامة على أنه صاحب العزاء وليس معزيًا، وندد بتعزية الزعماء العرب لقادة الكيان الصهيوني، حين يموت أحدهم، في الوقت الذي لم يحضر أحدهم جنازة الشهيد هنية، وكيف تم دفنه في أرض "قطر" بين قادتها وزعمائها، حيث نابت في كل ذلك عن الأمة كلها.
وفي الختام قام الدكتور "طارق الزمر" رئيس المركز بإلقاء البيان الختامي للمؤتمر وجاء فيه:
نتوجه إليكم بعظيم الشكر لكل من شارك في هذا المؤتمر المهم، في تأبين هذا العلم المهيب، والقائد الملهم، والزعيم المقدام.. كما نشكركم على ما تفضلتم به من أراء وأفكار، تسهم في التعامل الفعال مع قضية أمتنا، حيث إنقاذ فلسطين، وهزيمة المشروع الصهيوني، الذي يريد أن يلتهمها جميعًا، ويلتهم معها كل عناصر حيوية ونهضة أمتنا.
الأخوة الكرام.. كم نحن بحاجة ماسة في هذه المرحلة التاريخية من حياة أمتنا، أن نكثف من تواصلنا، وأن نوحد صفوفَنا، ونبذل قصارى جهدنا وجهادنا، كي نكون عند مستوى تضحيات الشهيد رحمه الله تعالى، وكل شهداء فلسطين.. ما أحوجنا اليوم إلى أن نعيد النظر في كل مشاريعنا العامة والخاصة، كي يكون استهداف المشروع الصهيوني وجهتها جميعًا، لأنه ـ لا قدر الله ـ لو تمكن في منطقتنا، فقد تمكن منها الشرُ كله، وتأجل مشروع نهضتها لقرن أخر، وكتب عليها الاستعباد والتبعية لقرن جديد!
أيها الأخوة الأعزاء.. يجب أن نسعى في هذه المرحلة التاريخية لأن نبلور الأهداف الجامعة لأمتنا، وأن نسعى جميعًا من شتى مواقعنا وقناعاتنا نحو تحقيقها:
1.يجب أن نندد ونرفض حرب الإبادة على شعبنا في غزة، ونعمل على وقفها بكل السبل المتاحة.
2.ويجب أن نعمل لرفع الحصار الظالم فورًا عن غزة، ولا ينبغي أن يتمدد الحصار بعد ذلك بأي حال.
3.يجب أن نقاوم مشاريع "التهجير"، التي لازالت في قلب وعقل المخطط الصهيوني، وأن نعبأ شعوبَنا لرفضِها وممانعِتها، وخاصة في مصر والأردن.
4.يجب ألا نسمح للكيان الصهيوني بهزيمة حركة حماس أو أي من فصائل المقاومة الفلسطينية، مهما امتدت حربه الوحشية، وعدوانه الهمجي.
5.يجب أن نرفض مشروع "التطبيع"، الذي أتخذ خطوات خطيرة في السنوات القليلة الأخيرة، وأن نقاومه بكل السبل المشروعة، وألا نسمح للعدو أن يظفر بأكثر مما ظِفر، بل نعمل على حرمانه من كل نقاط تمركزه، داخل بلادنا ومجتمعاتنا.
6.يجب أن نعمل على توحيد أو تنسيق سياسات الحكومات المخلصة لقضية الأمة، ولا سيما "الدول الكبرى" في منطقتنا، وذلك لأن التنسيق الاستراتيجي بينها على تنوع مواقفها، يكفل محاصرة الغطرسة الإسرائيلية، كما يعمل على الحيلولة دون الاستفراد بها، أو تقزيم دورها، وتبديد قدراتها.
7.يجب أن نحذر من مخططات الفتنة الداخلية، ومؤامرات الوقيعة بين شعوب أمتنا، لأنها لن تفضي إلا لحرب عدمية، تدمر الأخضر واليابس، ولن يستفيد منها سوى المشروع الأمريكي الصهيوني، المتربص بنا جميعا.
8.كما يجب أن نطور رؤية استراتيجية، لاستيعاب كل أشكال الخلاف داخل مجتمعاتنا، وكل أشكال التناقض بين السياسات المتبعة في بلادنا، وذلك في إطار إدراك مدى عمق وتنوع حضارتنا على مدى التاريخ، ومدى قدرتها على إدارة الخلاف بين مكوناتها، في أطار تعظيم قدراتها، وتراكم قوتها، وتعزيز مناعتها، في مواجهة كل خصومها ومناوئيها.
9.يجب أن نستعد لأهم مراحل الانتقال التي تنتظرها أمتنا على مدى قرن كامل.. يجب أن ننبه كل "مراكز الوعي" داخل مجتمعاتنا، ونوقظ كل "مراكز الحيوية والفاعلية" داخل بلادنا، فنحن اليوم أمام معركة مصير، كما أن احتمالات "الحرب المفتوحة" لم تعد بعيدة، واحتمالات "الحرب الإقليمية" صارت وشيكة، واحتمالات تبدل موازين القوى في "النظام الدولي"، الذي أضر بأمتنا لم تعد بعيدة. (İLKHA)