كتب الأستاذ محمد كوكطاش في ضوء تفكُره في قصة مريم عليها السلام:

اليوم، أود أن آخذ استراحة من موضوع غزة والتطورات الساخنة الأخرى المُدرجة على جدول الأعمال وأقدّم لكم مقتطفًا قصيرًا من كتاب كنت أعمل عليه لفترة طويلة:

أعتقد أننا سنفهم السيدة مريم وعيسى عليهما السلام بشكل أفضل إذا انطلقنا من سؤال "لماذا"، بل وقد نتمكن من فهم مقصود الله تعالى من إرسالهما بشكل أعمق.

حتى الآن، عندما تُروى سيرتهما أوسيرة أي من الأنبياء الآخرين، نادرًا ما يُطرح سؤال "لماذا"، أو يُبدأ بهذا السؤال، أو يُبنى عليه. قد يكون السبب في ذلك هو أن هذا المجال يتعلق مباشرة بالله تعالى، لذا لم يتم الاقتراب منه.

لكن بما أن الأمور قد أُنجِزَت، والأحداث قد وقعت، فقد ظهرت إجابات بعض الأسئلة مثل "لماذا حدث ذلك". الآن يمكننا شرح حياتهما من خلال سؤال "لماذا". وهذا أيضًا محاولة لرؤية الأحداث في سياق التاريخ الكامل.

بعبارة أخرى؛ هذا هو السبيل للقدرة على قول "كانت حكمة الأمر كذلك"، وأعتقد أننا الآن في وضع يسمح لنا بذلك.

نعم، لماذا أكد الله تعالى على عفة وكرامة السيدة مريم إلى هذه الدرجة؟

"إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ،  فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (آل عمران 35-37)

"وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ "(آل عمران/42).

"وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء، 91)

"وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ" (التحريم، 12)

في الواقع، العفة والكرامة ليست فقط صفة منتظرة من أمنا مريم، بل هي أيضًا جمال مرغوب فيه من جميع النساء المؤمنات، وعلى مر التاريخ كان هناك نساء كثيرات حافظن على عفتهن وشرفهن بهذه الطريقة.

إذن، لنسأل السؤال مرة أخرى: لماذا أكد الله تعالى على عفة وكرامة السيدة مريم بهذا الشكل البارز، ولماذا أظهر هذا الجانب منها؟

لأنها ستنجب لاحقًا طفلًا بدون أب، وهذا يجب أن يقبله الجميع. ولقد تم تخصيص السيدة مريم لتكون في معبد القدس، حيث شهد مجموعة من كبار بني إسرائيل على حفظها، حتى لا يُلقى عليها أي افتراء، ولتكون مستعدة لقبول إنجاب طفل بدون أب.

وكأن الله تعالى يقول للناس، أيها الناس، انظروا عن كثب إلى مريم هذه، واشهدوا أنها لم تكن مع أي رجل، كما ترون، إنها محمية جدًا. لأنها ستلد في المستقبل طفلاً بدون أب، كونوا مستعدين لذلك، لا تفتروا عليها..."

تصوروا لو لم تكن السيدة مريم قد أُعطيت للمعبد في القدس تحت شهادة كبار بني إسرائيل، ومرت فترة حملها في زاوية نائية من البلاد، وأنجبت عيسى عليه السلام بدون أب بواسطة نفخة جبريل، من كان سيصدق ذلك؟ ومع ذلك، حتى في هذه الحالة، لم يصدق بعض بني إسرائيل واتهموها بالكذب.

"وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا" (النساء/156).

ولم يؤكد الله تعالى على عفة السيدة مريم فقط من خلال تكريسها للمعبد في القدس، بل كان أيضاً ابنها الذي انجبتهُ شاهداً على عفتها وكرامتها وطهارتها.

أتمنى للجميع جمعة مباركة!(İLKHA)