تحدّث الدكتور عبد القادر توران في مقالته عن الثراء وأثره على الفرد و المجتمع فكتب:
يُفهم الثراء في المجتمعات المتخلّفة و الغير واعية على أنّه وسيلة لتعزيز الإسراف والهدر، بينما في المجتمعات الواعية فهو وسيلة للمضي قُدماً نحو الأهداف العظيمة.
لذلك، عندما لا يكون الثراء مدعوماً بالوعي، يتدهور المجتمع و يصبح فاسداً وقذراً.
أين تركيا من هذا؟
خلال العشرين سنة الماضية في تركيا، لم يعد الثراء يخص الدولة فقط بل الجماعات أيضًا، حيث بدأت جميع قطاعات المجتمع تعيش تحولًا تاريخيًا باتجاه الثراء في أساليب حياتهم.
ذِكرنا لهذه النقطة يعني بالنسبة للبعض تقديراً أعمى للحكومة، ولكن على الباحث الاجتماعي أن يعبر عن الحقائق كماهي، لأنه مثلما أنه من الخطورة الإدلاء بتصريحات من شأنها إرضاء السلطة السياسية أثناء اتخاذ القرارات لصالح المجتمع، فإنه من الخطورة أيضًا إجراء تقييمات من شأنها إرضاء المجتمع على حساب السلطة من أجل الحصول على تقدير المجتمع.
خصوصاً في الوقت الحالي، حيث أن العديد من المحلّلين، تحرّروا من رغبتهم بإرضاء السلطة السياسية ولكن انحرفوا إلى الرغبة بإرضاء المجتمع..
فالمجتمع يصدّقهم ويؤمن بهم باعتبارهم أولئك الذين يتخذون القرارات الأكثر دقة لأنهم لا يتوقون إلى إرضاء السلطة السياسية، ولهذا السبب، فإنهم غالباً ما يضللون المجتمع أكثر من أولئك الذين يتوقون إلى إرضاء السلطة السياسية.
عندما ننظر إلى المسألة من خلال استبعاد هذا الاحتمال، فحتى مراقبة بسيطة للمطار يمكن أن تظهر أنه قد حدث تغيير كبير في الظروف المعيشية وأسلوب حياة المجتمع في السنوات الأخيرة.
وفي تركيا، للأسف، أدى التغيير الإيجابي في الظروف المعيشية، أي الثراء، إلى تغيير سلبي في نمط الحياة.
هل هذه نتيجة ضرورية؟ بمعنى آخر، هل التغيير الإيجابي في الظروف المعيشية يؤدي إلى تغيير سلبي في نمط الحياة؟
الجبريون والحتميون ، في قراءتهم للتاريخ والمجتمع ، هم أعداء الحقيقة ، والمؤيدون الدائمون للظالمين.
والجبرية هي قهرية الماضي، وهي حركة مخالفة للإسلام تأسست بين المسلمين ترى أن الإنسان مسيّر وليس مخيّر، فلا قدرة له على اختيار أعماله.
.
أما الحتمية فهي حركة معادية للإنسان نشأت في الغرب وتطورت في العصر الحديث على يد فلاسفة يهود وأشهرهم ماركس.
ومصيبة المسلمين أننا أدمننا حتمية العصر دون أن نتخلص من قهرية الماضي.
ولهذا السبب، ليس كبارنا فقط، بل شبابنا أيضًا، يتبنى فكرة "الضرورة" فيما يتعلق بالتغيرات الاجتماعية.
أحد الادعاءات الأكثر شيوعًا هو أن التغيير الإيجابي في الظروف المعيشية سيؤدي بالضرورة إلى تغيير سلبي في نمط الحياة.
إن الداعية الرئيسي لهذه الأطروحة في العالم الحديث هو ماركس، وماركس طاغية يعادي الإنسانية بينما يبدو صديقاً لها، وهو أحد الأسباب الرئيسية للكوارث التي شهدتها البشرية في القرنين الماضيين.
فالتأكيد على ضرورة الموقف يؤدي إلى الاستسلام له.
إن الادعاء بأن الثراء سيؤدي بالضرورة إلى الفساد، جعلنا نتردد في أن نصبح أثرياء، من ناحية، ودفع أولئك الذين أصبحوا أثرياء- وخاصة من جيل الشباب- إلى تسليم أنفسهم للانحراف من ناحية أخرى.
لا التاريخ ولا الحاضر يؤكدان نظرية ماركس، ففي تاريخنا، كان معظم أثريائنا متواضعين وتقيين، واليوم أيضًا، ليس قليلًا من أثريائنا هم متواضعون وتقيون، بالفعل، التدهور في السابق كان يعود إلى الفقراء بشكل أكبر، واليوم يعتبر الفقراء في العديد من أنحاء العالم أيضًا الأكثر سوءاً في أساليب الحياة.
إذا كان الفقراء أتقياء، فليس الفقر هو الذي جعل منهم كذلك، بل التقوى، وإذا فسد الأغنياء أيضاً، فليس ذلك بسبب ثراءهم، بل لأنهم ابتعدوا عن التقوى.
الشيء الذي سيدفعنا قُدماً هو الوعي بالثراء وليس معاداة الثراء، فلو فتحنا مدارس الوعي بالثراء بدلاً من هذه وتلك المدارس، وشجعنا الثراء المُدرك الواعي وعملنا على توعية الأثرياء، فربما نحمي الأسرة بشكل أفضل.
وعلينا أن نراجع لغتنا الوعظية من الناحية العلمية ونغيرها فوراً في هذا العصر، فأولئك الذين يشجعون المسلمين على أن يصبحوا فقراء، وأولئك الذين ينخرطون في خطاب يؤدي إلى ذلك، إذا لم يكونوا خونة، فهم مرضى عقلياً.(İLKHA)